حاسوب قومي !

للعرب المعاصرين رياضياتهم القومية وحاسوبهم الخاص الذي يجعل الواحد بالمئة احيانا أهم من التسعة وتسعين بالمئة ، او يضيف ثلثا رابعا للواحد ، واذا صحت الارقام التي نشرت مؤخرا حول الدخل القومي العربي في النصف الثاني من القرن الماضي ، فان هناك تريليون رابعا غير الثلاثة المعلنة التي انفق اثنان منها على السلاح والفساد. هذا التريليون هو ما تبدد وضاع سدى وشربته ممرات الاسفنج على حد تعبير هانكوك أحد خبراء البنك الدولي ، لأن الفساد بتعدد رؤوسه وذيوله معا يعوق الكفاءات عن العمل ويحرمها من استحقاقاتها ، فالرجل غير المناسب وكذلك المرأة غير المناسبة يحتلان مواقع تناسب غيرهما ، وذلك وفقا لبوصلة قومية عجيبة يتجه سهمها جنوبا أو شمالا ، وشرقا أو غربا حسب النوايا والطلب.
تريليون دولار أنفق كما تقول هذه الاحصاءات التي نتمنى ان لا تكون دقيقة لأنها ذات مدلول كارثي على البناء.. وما تبقى أنفق على السلاح وتجارته وأسواقه السوداء ، اضافة الى الرشاوى والفساد الوبائي ، الذي اصبح بنيويا، هذا دليل آخر على ان العرب ليسوا فقراء ، لكنهم امتلكوا قدرة عجيبة على افقار الذات ، مثلما امتلكوا مواهب استثنائية في الهدم بعد كل بناء ، بحيث أصبحت الموعظة القديمة من جدّ وَجَد.. من هدّ وجد.. فالذين يكافأون تبعا لهذه الحواسيب الغبية هم الهادمون وليسوا البنائين ، وحين تتحول هذه الظاهرة الى ما يشبه القانون أو الغرف فان الأمة كلها تصبح في خطر ، لأن الصواب يعاقب ، ويكافأ الخطأ كي يندفع الى ما هو أبعد ويصبح خطايا،.
ولو كان الأمر سهلا ، وقابلا للفهم لاستذكرنا معا مقولة برنارد شو عن غزارة لحيته وصلعة رأسه ، وهي مفارقة الانتاج والتوزيع ، لكن وراء أكمة هذه الارقام ما لا يتجرأ أحد على الاقتراب منه ، فالكلام عن الفساد مسموح به الى ما لا نهاية ، لكن المحظور هو الكلام عن الفاسدين وهذه بحدّ ذاتها حيلة اجتماعية للفرار ، بحيث يزعم الفرد بأنه قال المطلوب منه دون أن يقول شيئا محددا.
ماذا فعل عرب العقود الخمسة الماضية بالتريليون الذي أنفقوه على السلاح ، وما هي الحروب التي خاضوها فاستحقوا عليها كل هذه الأوسمة والنياشين؟ لقد التهم الفساد ثُلث الدخل العربي خلال ثلاثين أو اربعين عاما ، فهل نشكره على ما تبقى أم نلحاه على ما أتلف كما يقول شاعر أندلسي؟.
ولا يدري هذا العربي النازف من خاصرتيه وعينيه وأذنيه وأنفه ماذا يفعل ازاء ما ينشر من معلومات واحصاءات كانت مؤجلة؟ لكأن قدره ان يعرف بعد فوات الأوان ، أو ان يعثر على دواء لا يملك ثمنه بعد أن تكون عائلته كلها قد ماتت،.
الدستور