دور الخيال في تغيير الاحوال

تم نشره الخميس 08 تمّوز / يوليو 2010 05:25 صباحاً
دور الخيال في تغيير الاحوال
فهد الريماوي

لا جدال ان القوى الشعبية العربية عامة، والاردنية خاصة، تنوء هذا الاوان تحت وطأة الضعف الفادح، وتعاني شظف التفكك والتمزق والاختلاف، وتنوب عن نفسها في الغياب عن ساحات النضال الجدي والضاغط على السلطات الحاكمة، والمؤثر في قراراتها وخياراتها وحساباتها
لا جدال ايضاً ان الحكومات العربية عامة، والاردنية خاصة، واجهزتها الدركية تعرف هذه الحقيقة حق المعرفة، وتستغلها ابشع استغلال، وتتصرف بالتالي كما لو انها تعمل في مساحات الفراغ حيث تقرر وتدبر ما شاء لها التقرير والتدبير، وسط اقصى حالات الراحة والحرية، ودون ان تحسب حساباً لاحد، او تخشى في الشعب لومة لائم وقومة قائم
لا جدال كذلك ان هذه الحالة الشعبية العربية البائسة لم تأت عفو الخاطر، او تنبع من العدم، بل جاءت على سبيل الحصيلة التراكمية لجملة السياسات والممارسات الامنية والحكومية العرفية والقهرية العابرة للايام والاعوام، والمؤدية الى قتل الروح الوطنية والارادة الشعبية والهوية العروبية والاهتمامات السياسية، والمشاركة في العمل العام
على مرأى ومسمع من الشعب الاردني بأسره، وبالضد من مصالحه ورغباته وتطلعاته، اتخذت حكومة الرفاعي مؤخراً قرارين فادحين يعكسان استهتاراً حكومياً بالرأي العام•• الاول سياسي يتمثل في قانون الصوت الواحد الذي عارضه كل العباد والبلاد، والثاني اقتصادي يتمثل في تسونامي الغلاء والبلاء وانفجار الرسوم والضرائب والاسعار الذي قصم ظهر الطبقة الوسطى، فيما اخمد بغير رحمة آخر انفاس الشرائح الكادحة
هذان القراران يلخصان الوضع الاردني برمته، ويكشفان فلسفة الطبقة الحاكمة، ويلقيان الضوء على حقيقة الاهداف المضمرة للسياسات والممارسات الراهنة•• ذلك لان من شأن قانون الصوت الواحد ان يدفع المواطن الى تطليق السياسة، وادارة الظهر للقضايا الوطنية والشأن العام، فيما يتولى قرار اشعال الاسعار وتأجيج الضرائب والاسعار، اشغال المواطن بالهم المعاشي، وتدويخه ليلاً ونهاراً في البحث عن لقمة الخبز وجرعة الماء، وتخفيض درجة انسانيته الى مجرد "مخلوق اقتصادي " لا دخل او تدخل له في المسائل الرسمية او الشؤون الحكومية على الاطلاق
هذه هي الحقيقة بكل وضوح واختصار وعلى بلاطة، كما يقال•• فكلما اتسعت دائرة الهموم المعاشية والمالية، ضاقت هوامش الحياة السياسية الاردنية، رغم ان العكس هو الذي يتعين ان يحدث، فالمفروض في الضنك الاقتصادي ان يقود الى فوران شعبي وسياسي، شأن ما وقع في انتفاضة نيسان عام 1989، غير ان زمن اول قد حوّل، وشعب الانتفاضة قد تغير وتبدل، فبعد ان كان موئلاً للمبادئ الوطنية والاشواق القومية النبيلة، بات الآن نهباً للولاءات الجهوية والفرعية والانقسامية المؤسفة
وهكذا، فقد اصبح لزاماً على شعبنا الكادح والتائه والمنقسم على نفسه، ان يدفع ثمن اذعانه، منذ بداية هذا القرن، لسلسلة من الحكومات الهزيلة والجهولة والسريعة العطب التي بلغ تعدادها سبع حكومات خلال عشر سنوات، والتي لم تبارح مواقع التجريب والتدريب والتكرار ودق الماء في الاناء، دونما ادنى قدرة على التجديد والابداع والابتكار واجتراح الحلول الخلاقة للازمات السياسية والاقتصادية المزمنة، والتحديات الداخلية والخارجية المتفاقمة
منذ مستهل هذا القرن، حيث جثمت حكومة علي ابو الراغب على صدور العباد والبلاد لاكثر من ثلاث سنوات، حتى الآن حيث هبطت علينا حكومة الرفاعي بالمظلة وعلى جناح المفاجأة، لا حل لدى الحكومات السبع لازمة العجز في الموازنة، والنهب من موارد الدولة، غير جيب المواطن الذي تحول الى دجاجة تبيض ضرائب، او بئر نفطية تسيل ذهباً اسود في بلد غير ذي نفط•• ولا حل آخر، بل وليس في الامكان ابدع مما كان !!
كم كنا نود لو ان حكومة من هذه الحكومات المستنسخة قد لجأت الى غير هذا الاسلوب المسموم، او سلكت غير هذا الطريق المطروق، او جربت غير هذه التجربة المرة، او فكرت بغير هذه العقلية المفلسة، او تخيرت غير هذا الخيار المسرطن، او شمرت عن ساعد الجد والتعب، او تحلت بروح المبادرة وشجاعة الارتياد والاستكشاف والذهاب الى النوعي والاستثنائي من المخارج والحلول
كم كنا نود لو ان حكومة الرفاعي التي تدعي الحرص على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، قد شربت حليب السباع وعمدت الى سد رمق الموازنة من اموال الطبقة الحاكمة بأسرها - سابقاً ولاحقاً - بعد ان كدست علناً وعلى رؤوس الاشهاد، ملايين بل مليارات الدنانير على حساب الطبقات الكادحة والرازحة تحت خط الفقر•• لا ان تسلك ذات الطريق المطروق الذي لا يوصل الا الى جيوب الغلابى والمعدمين الذين ما عادوا يخيفون الحكومات، ولكنهم بالقطع يستحقون تعاطفها ورعايتها
منذ ابتلاء الاردن بحكومات البزنس، ورجال الاعمال، وسدنة الليبرالية الجديدة، وباعة القطاع العام، وعشاق المعاهدة المشؤومة، انقلبت الاوضاع واختلفت الاحوال وتبدلت المعادلات، فبات المال سبيلاً للسلطة، وباتت السلطة مجلبة للمال، فيما تم عقد ابشع قران بين السلطة والثروة، واخطر تحالف بين الفساد المالي والفساد الاداري والسياسي•• الامر الذي انعكس على هذا الحمى في صيغة تفاوت طبقي شرس بين اقلية حاكمة وثرية حد البطر، واكثرية جماهيرية مدقعة حد الطفر
كم كنا نود لو ان الحكومة الحاضرة وسابقاتها قد ذرعت الارض شرقاً وغرباً، طلباً للعون المالي، والتماساً للمنح والمساعدات العينية والنقدية، ليس على سبيل التسول والاستعطاء، ولكن من قبيل ترجمة العلاقات السياسية، والخدمات الامنية، والمواقف المعتدلة وربما الارتهانية التي نتخذها او نوفرها للاخرين، الى منافع اقتصادية، ومشاريع استثمارية، وقروض معدومة•• اما ان نتغنى بالدور المحوري للاردن دون طائل، وننخرط في صفوف حلف الاعتدال والسلام الزؤام خلف قيادة امريكا مجاناً وبغير لقاء او جزاء، فهذا هو العبث الذي ما بعده عبث، والضلال الذي ما مثله ضلال
اخيراً•• اطلبوا العلم ولو في اليونان، وتمعنوا في تجربة هذه الدولة التي وقفت بالامس على شفير الافلاس، ولكنها استطاعت عبر الحلول النوعية والابداعية الوقوف مجدداً على قدميها، بعد ان زاوجت بين ثلاثة عوامل مركزية فاعلة•• فرض ضرائب معقولة على المواطنين، وخفض حقيقي وجدي لامتيازات الحاكمين، ثم استدراج دعم بمليارات الدولارات من خزائن الاتحاد الاوروبي
ايها السادة•• هذا او الطوفان !!

 المجد



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات