عودة الضغوط من أجل "المباشرة"؟

اكتفى أوباما، أو انه لم يعد يحتمل، الصورة الإعلامية عن الأزمة والخلاف السياسي والنفور الشخصي بينه وبين نتنياهو، فقام في لقاء الثلاثاء الفائت مع نتنياهو بقلب المشهد رأسا على عقب، باستقبال ووداع ودّي للغاية لضيفه الصعب. لم تخرج عن اللقاء أي اشارة للقضايا الخلافية، بل دعوة للذهاب إلى المفاوضات المباشرة التي يريدها نتنياهو قبل نهاية الفترة المؤقتة لتجميد الاستيطان في أيلول (سبتمبر)، كما يريدها أوباما قبل الانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني (أكتوبر) المقبل، ويبشر ايهود باراك بالذهاب الى هذه المفاوضات خلال أسابيع.
فوق ذلك حرص اوباما على التأكيد على أمن اسرائيل محذرا أن التصويب على اسرائيل بسبب برنامجها النووي سوف "يفخخ" المؤتمر حول نزع السلاح النووي في الشرق الأوسط عام 2012 ،واعدا بتقديم "وجبات استثنائية" لإسرائيل في مجال الأمن. وبالمقابل تهرب نتنياهو من الالتزام بتجديد قرار تجميد الاستيطان ووعد فقط بتسهيلات للفلسطينيين في الحركة وفي المشاريع الاقتصادية.
ليس هناك أبدا اي تطور علني يمهد أو يبرر، من وجهة النظر الفلسطينية، الانتقال الى المفاوضات المباشرة، ولم تصدر اي تكهنات عن التزامات سريّة في ختام اللقاء تفترض وجود جديد. وكالعادة فإن الادارة الأميركية التي تعجز عن المضي في الضغط على اسرائيل حتّى النهاية تستسلم وتنقلب بصورة بائسة للضغط على الفلسطينيين للعودة الى المفاوضات من دون اي ضمانات ومن دون وقف حقيقي وكامل للاستيطان. وقد يقبل نتنياهو ضمنا باستمرار صيغة التجميد الجزئي الراهنة اذا بدأت المفاوضات المباشرة، لكن الفلسطينيين يعرفون جيدا ان هذا يعيدهم الى نقطة الصفر. مفاوضات تتدرج بلا أفق تستمر خلالها اسرائيل بفرض الوقائع من جانب واحد.
أصبح للمفاوض الفلسطيني خبرة جيدة بالعدو، والاستراتيجية الفلسطينية الآن تقوم على الحصول أولا على إطار مرجعي محدد في قضية الحدود، وهم يريدون من المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط الأميركي أن تضع الأساس المرجعي للتفاوض بهذا الشأن، أي الاتفاق أن حدود الدولة الفلسطينية المقبلة هي بالضبط حدود العام 67 ،مع تحديد مساحة الأراضي القابلة للتبادل، وهي حسب ما يقترح الجانب الفلسطيني بحدود 2 %، تتساوى من حيث النوع والقيمة، وقد قدم الفلسطينيون تصورا محددا للأطر المرجعية للانتقال الى المفاوضات المباشرة قبل لقاء أوباما مع نتنياهو ولم يتلق الفلسطينيون، كما قال عباس، أي ردود حتّى الساعة بشأنها. والموقف حتّى الآن بالنسبة للفلسطينيين أنه لم يتحقق أي تقدم وبهذا القصد. قال عبّاس عند سؤاله عن التقدم الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام إنه ليس لديه علم بشيء من ذلك.
لقاء اوباما نتنياهو لا يبشر بشيء سوى العودة للضغط على الفلسطينيين للعودة الى مفاوضات مباشرة من نقطة تعود الى الوراء كثيرا، قياسا بما كانت عنده في كانون الأول (ديسمبر) 2008 مع حكومة اولمرت، وهو ما يستحيل على الفلسطينيين قبوله.