"سايكس-بيكو" ومفهوم المواطنة

تم نشره الأربعاء 25 أيّار / مايو 2016 12:39 صباحاً
"سايكس-بيكو" ومفهوم المواطنة
مروان المعشر

تصادف هذا الشهر الذكرى المئوية لاتفاقية "سايكس-بيكو" التي قسمت منطقة الهلال الخصيب بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، وأدت إلى انتدابات بريطانية وفرنسية على أجزاء من الوطن العربي. وقد ترسخت لدى العرب قناعة بأن "سايكس-بيكو" حالت دون قيام وطن عربي موحد منيع قوي. هل هذا صحيح؟

لا أحد ينكر الأثر السلبي للاستعمار الأجنبي على المنطقة. كما لا يستطيع أحد تجاهل نتائج زرع إسرائيل في وسط المنطقة، وأثر ذلك على مجمل عملية التحرر والتنمية. لكن من المشروع السؤال، بعد مئة عام من تلك الاتفاقية: هل نحن معفَوْن بالكامل من أي قدر من المسؤولية بشأن بناء أوطان حداثية مدنية ديمقراطية بالرغم من "سايكس-بيكو"؟

لسنا المنطقة الوحيدة في العالم التي رُسمت لها حدود اصطناعية. بل يمكن القول إن غالبية دول أوروبا وأفريقيا لها حدود اليوم تختلف جذريا عما كانت عليه قبل قرن. لكن هذا لم يثنها عن العمل من أجل بناء مجتمعات حداثية.

تدخلت الولايات المتحدة بشكل سافر في شؤون أميركا الجنوبية في الماضي؛ من حصار لكوبا منذ العام 1960، وتغيير لنظام الحكم في تشيلي العام 1973، وغزو لغرانادا العام 1983 وآخر لبنما العام 1989. لكن كل هذا لم يحبط شعوب أميركا الجنوبية عن السير في عملية تحول سياسي أدت في معظمها اليوم إلى أنظمة ديمقراطية، بعد أن حكمتها دكتاتوريات لعقود.

بعد مئة عام على "سايكس-بيكو"، ألم يحن الوقت للتخلي عن ثقافة البحث الدائم عن شماعات لتعليق فشلنا عليها حتى لا نتحمّل ولو جزءا من مسؤولية ما آلت إليه الحال في أوطاننا؟ ولأتحدث بصراحة أكبر، إن كنّا لم نستطع بناء أوطان تعددية في أقسام من الوطن العربي، فما الذي يجعلنا واثقين من قدرتنا على بنائها في كل الوطن العربي؟ مائة عام كانت أكثر من كافية للتغلب على صعوبات كثيرة وعلى رواسب الاستعمار الأجنبي الذي انتهى منذ أكثر من ستين عاما على الأقل. لكننا لم نفعل.

حان الوقت لوقفة مع النفس؛ أي مجتمع عربي نريد؛ هل هو مجتمع مدني ديمقراطي تعددي أم مجتمع أبوي سلطوي؟ هل هو مجتمع يحترم تعددية الآراء والأديان، أم مجتمع يعتبر التنوع والاختلاف جريمة أو خيانة؟ هل لدينا إجابات واضحة عن هذه الأسئلة المفصلية؟ وما نحن فاعلون تجاه ما نريد؛ هل نكتفي بالأحلام أو بإلقاء اللوم على "سايكس-بيكو" بعد قرن من الزمان؟

ولنفرض أن "سايكس-بيكو" لم تكن، هل كانت دولنا اليوم تحترم التعددية؟ وهل كانت حقوق المرأة مصانة؟ وهل كان السني والشيعي والمسلم والمسيحي والعربي والكردي والأمازيغي والأرمني والشركسي، ينظرون لبعضهم بعضا نظرة متساوية؟ وهل كانت دولنا تنظر لهم كأسنان المشط؟

إن كنّا غير قادرين على تحديد الهوية الأردنية حتى اليوم، ولا نرغب حتى في الحديث الجدي حول ذلك بعد سبعين عاما من الاستقلال، فأي ثقة لدينا في قدرتنا على بناء مجتمعات حداثية؟

فلنحسم أولا موضوع المواطنة بتنوعها وتجلياتها كافة في الأردن، حتى يكون انتقادنا لـ"سايكس-بيكو" ذا معنى. ولتكن المواطنة المتساوية الحاضنة للتنوع، الإطار العريض الذي يحكم مجتمعنا. ولنستبدل النحيب والعويل ببناء أوطان تعددية تحترم التنوع الموجود في منطقتنا منذ آلاف السنين.

وقتها نكون منسجمين مع أنفسنا. إن أردنا أن نمحو "سايكس-بيكو" من ذاكرة الوطن العربي، فلنبن مفهوما حداثيّاً للمواطنة والتعددية لبنة لبنة، بلدا بلدا، حتى لا يندب أحفادنا حظهم في الذكرى المئوية الثانية لـ"سايكس-بيكو".

(الغد 2016-05-25)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات