امرأة من بلعين !

ليس في الحياة فن اجمل من فن العيش ولا نصر اعظم من انتصار الانسان على مَواطن ضعفه. أيضاً ، ليس هناك فشل ، هناك خبرات او كما يقول المثل الصيني: القرار السليم يأتي من الخبرة التي تأتي من القرار الخاطئ.
لكن ، في زمننا كيف يتقن فن العيش مَنْ يسكن في مقبرة ، مَنْ ايام حياته مقررة ومكررة. متوالية بلهاء من اللاشيء واللاشيء. وبينهما محادثات ومصافحات ومفاوضات. وعد بأكثر من حكم ذاتي واقل من دولة. تمر سنوات ، لا حكم ذاتياً ولا شبه دولة. ويكتشفون السراب بعد فوات الزمان جارّا معه آلاف الضحايا الغارقين بدمائهم ومئات الغارقين بأوهامهم. وتذهب سدى اوراق المفاوضات وحقائب الجلد الفخمة. تبهت الابتسامات ويسقط الأمل تحت مجنزرة.
يكتشفون ان وراء ضحكاتهم كانت أشجار الزيتون تئن وجسد الارض يرتجف ذعراً في قبضة الجرافة. أخُرافة أساطيرهم؟ أم نحن أصبحنا الخراف والخرافة؟
من وعد بلفور الى وعد بوش ، ومن حروب الجيوش والفدائيين الى حروب المفاوضين ، لا شيء تحقق لنا. كل شيء تحقق لهم ، نحن أيضاً أصبحنا لهم بكل ما نملك من خوف.
الخوف ، كما يقول علماء النفس ، عادة وليس حقيقة. لكنه من أسوأ العادات. والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. المؤمن بربه وبقضيته وبحقه. وكما لا يفيد الايمان من دون عبادات فانه لا يفيد الايمان بالحق من دون اشكال القوة. فقط مفاوضات ، مفاوضات ، مفاوضات، في عمر كل المفاوضات كانت تموت منازل ويقتلع اصحابها الشرعيون. تبني مستعمرات بسواعد أبناء الأرض الارملة وعلى انقاض الحق تصطف جدران وتستلقي شوارع وتفتح مدارس واسواق. تصبح هي الحق ويعلمون أبناءهم أن التاريخ بدأ بهم ولن ينتهي بهم. وانهم سفر التاريخ المؤجل ثلاثة آلاف سنة. وحين يشير طفل منهم الى تلك المرأة ذات الثوب المطرز بألوان الحياة والى تلك الشجرة التي عمرها مائة سنة واكثر والى العيون التي تقدح قهراً يقولون لهم: هؤلاء أيضاً لكم ، لنا ، وهذا وعد الرب،
أما هؤلاء العرب ، الموجودون واقعياً وليس قانونياً فإن لهم وعد بوش باقامة (دولة تعيش جنباً الى جنب مع اسرائيل). دعهم ينتظروا. و.. انتظروا وفاوضوا مرة كل اسبوعين في بيت أولمرت في القدس. راح أولمرت وراح بوش وراح الوعد. كسب الاسرائيلون وقتاً للزحف الى قلب القدس ، وقبلة الاقصى فيما العرب يقبلون ايادي اوباما ، خليفة بوش ، أن نفذ الوعد،
وطن الفلسطيني كما يعرفه محمود درويش هو الشوق الى الموت من أجل ان تعيد الحق والارض. ليس الوطن ارضاً ولكنه الارض والحق معًا. الحق معك ، والارض معهم. وحين امتلكوا الارض بالقوة صاروا يتحدثون في الحق المكتسب. كان (حقهم) تاريخاً وذكريات. وصار ارضاً وقوة. وأنت بلا قوة ، فقدت التاريخ والارض والحق.
ما تبقى من الحق هو تلك الصرخة في وجه الجندي المحتل من إمرأة في بلعين ، وتلك القبضة المرفوعة في مواجهة رشاش على كتف جندي مدجج بكامل خوفه ، هؤلاء فقط يتقنون فن العيش ، ينتصرون على ضعف غيرهم الغارقين في وهمهم،
الدستور