الثورة العربية الكبرى: المنشور الثالث للشريف الحسين

تم نشره الإثنين 30 أيّار / مايو 2016 04:00 مساءً
الثورة العربية الكبرى: المنشور الثالث للشريف الحسين

المدينة نيوز :- يؤكد المنشور الثالث للثورة العربية الكبرى للشريف الحسين بن علي ، الوجهة القومية العربية اذ خاطب فيه قومه العرب أبناء البلاد العربية خاصتهم وعامتهم ، مشيرا الى الواجبات التي حتمت عليه الثورة بموجب مقتضيات الدين والقومية والإنسانية .

ويظهر المنشور ان الواجب القومي عند الشريف الحسين واجب أقره الإسلام لأنه ربط بين الواجب الديني وبين الواجب الوطني والقومي ، فالشريف مسؤول أمام الله ثم أمام واجب الوطنية والقومية.

وفيما يلي نص المنشور منشور الثورة الثالث كانون الاول 1916 بسم الله الرحمن الرحيم ( قل هذا سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا وما اتبعني ) الحمد لله الذي اخرجنا من الظلمات الى النور ، والصلاة على سيدنا محمد صاحب الهداية الباقية ما بقيت العصور وكرت الدهور ، وعلى آله واصحابه الذين قاموا بعزائم الامور ، وسلم تسليما كثيرا .

وبعد فقد حان لنا ان نخاطب ابناء بلادنا خاصتهم وعامتهم وكبيرهم وصغيرهم ، وحاضرهم وباديهم في حقائق الامور التي كنا فيها ، والحالة التي صرنا اليها ، والواجبات التي حتمت علينا مقتضيات الدين والقومية والانسانية ان نقوم بها حق القيام .

فإنه لم يبق فيهم ولله الحمد من يخفى عليه أمر هؤلاء الاغرار الذين تسلطوا على المملكة العثمانية فأحلوا فيها ما احلوا وحرموا ما حرموا مما تقدمت الإشارة الى بعضه في منشورينا السابقين ، واتخذوا دين الله لهوا ولعبا وسلبوا السلطة من ايدي اهلها ، وتصرفوا بالمملكة تصرفا اضاعوا به بلادها في بضع سنوات ما تزيد مساحته على مساحة بضع ممالك عظيمة في اوروبا وآذوا عباد الله بالقتل والشنق والتعذيب والتغريب ومصادرة الاموال وانتهاك الاعراض ، بما لا يحيط به العد والحصر ، ولعل ارض الحرمين الشريفين كانت اقل الممالك العثمانية ابتلاء بمصائبهم ومفاسدهم لا عن تكريم منهم لمشاعرها المقدسة ، ولا رأفة منهم بأهلها او لأن الحجازيين احب اليهم من سكان الرومالي والاناضول والشام والعراق بل لما سخرنا الله له من الوقوف لهم موقف النصح تارة والدفع بالتي هي احسن احيانا ، على أمل ان يصبح الذي بيننا وبينه عداوة كأنه ولي حميم .

بذلنا ما في الوسع لدفع الاذى عن هذه الديار بالطريق المتقدمة ، ولم نأل جهدا في تخفيف ظلمهم عن المسلمين واهل ذمتهم في كل انحاء المملكة ، وحملهم على اجتناب كل ما ينكره الناس عليهم ، واقناعهم بخطر اعمالهم وما ستؤول اليه من ضياع البلاد وهلاك العباد وكنا نخلص النصح لرجالهم في الاستانة بمكاتبات محفوظة لدينا صورها واعدادها وتواريخها لا سيما في السنين الاخيرة ومن المتيسر لكل انسان ان يطلع عليها وكذلك كنا ننصح لولاتهم هنا بطرق المشافهة والمخاطبة واوفدنا بعض اولادنا الى الاستانة والشام لهذا الغرض ولكنهم لم تزدهم دعوتنا الا ظلما وطغيانا وبغيا وعدوانا .

ومما زاد مسؤوليتنا بين يدي الله عز وجل ، ثم امام واجب الوطنية والقومية ما وقع فيه قومي وابناء جلدتي من الشدة التي لا تحتمل حتى امست بلادنا بسبب اولئك الاغرار الجاهلين منقطعة عن كل اقطار الدنيا ، وان قلب المؤمن لا يرضى في حال من الاحوال رؤية جيران بيت الله الحرام وهم يموتون من الجوع والعري على قوارع الطريق وذلك مما هو معلوم لدى الخاص والعام والبدوي والحضري . ولا ريب ان اهل بلادنا لم ينسوا تلك الحالة المؤلمة والهلكة التي لمستها الايدي وعاينتها الابصار ، لان الحول لم يحل عليها بعد . وما كانت شدتها بالذي يستحق ان ينسى .

حينئذ استخرنا الله عز وجل للقيام في وجوه الائمة الظالمين والمخربين الملحدين فرارا من عاقبة قوله صلى الله عليه وسلم في ما رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه في حديث صحيح ( ان الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك ان يعمهم الله بعقاب منه ) وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الطبراني ( خذوا على ايدي سفهائكم من قبل ان يهلكوا او يهلكوا ) وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني ايضا بحديث صحيح ( أيما وال ولي شيئا من أمر أمتي فلم ينصح لهم كنصيحته لنفسه كبه الله تعالى على وجهه يوم القيامة في النار) وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الطبراني ايضا بحديث صحيح ( لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) وقوله صلوات الله عليه وسلامه فيما رواه داود في سننه ( خيركم المدافع عن عشيرته) . وقد خار الله لنا ان ننهض بأمتنا للأخذ على ايدي الظالمين واجلاء السفهاء المارقين عن البلاد والعباد طالبين لهم ما طلبناه لأنفسنا من جعل هوانا تبعا لما جاء به صلى الله عليه وسلم . ودفع السوء عن عشائرنا وجماعاتنا العربية التي صارحها هؤلاء الاغرار بعداوة جنسيتها ولغتها وتقاليدها وراحتها وهنائها في كل ما ظهر وما بطن من اقوالهم وأعمالهم .

وها ان ما كنا نسمعه وتسمعونه من ضروب ظلمهم وبغيهم في عرب الشام والعراق لم يسلم منه أهل المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة والسلام . فقد تواترت الانباء بمضاعفة بغيهم وظلمهم فيها واخذوا في شنق النفوس البريئة وصلبها مستعملين ضروب الوحشية الثورانية وشرعوا بتشغيل بعض من وقع في ايديهم من سكان العوالي بالأشغال الشاقة بعد الفظائع الشنيعة التي اجروها لهم من قبل ثم شنقوا اخيرا ثلاثة من اعيان المدينة المنورة . وبدأوا تجنيد الاهالي بالقوة حتى استنجد بعض اهالي المدينة المنورة بأخوانهم المكيين لينقذوهم مما هم فيه .

فأي مروءة لحاكم مهما كان ظالما ان يسل سيف حقده وضغنه وانتقامه في سكان المدينة المنورة الذين آثروا جوار النبي الاعظم صلى الله عليه وسلم على كل لذائذ الدنيا وصاروا امانة الله في يد من يحكمهم واذا كان حقد المتغلبة وضغنهم قد وصل بهم الى حد ان يمدوا ايديهم بالأذى لعامة سكان المدينة المنورة الذين لا حول لهم ولا طول في جانب القوة العسكرية المتسلطة عليهم ، فإن أولى بهم ان يخرجوا لقتال اولادي الاربعة ومن معهم من افلاذ اكباد العرب، فهنالك موضع الشجاعة والقوة لا في قتل الاهالي الابرياء والمجاورين الضعفاء وها ان جيوش الحق زاحفة عليهم من اربع جهات لا من جهة واحدة مجيبة داعي الله بالأخذ على ايدي الظالمين وتأديب الملاحدة المارقين .

وإنه لا يفوتنا بهذه المناسبة ان نعلن امتنا المخلصة بسرورنا من غيرتها الاسلامية وحميتها العربية وشكرنا لها على ما ابدته حتى الان من البسالة والرجولة والشمم العربي ومشاركتها الفعلية في طرد المتغلبة الممارقة من عقر دارنا وحصون بلادنا . فسطرت بذلك صفحة ذهبية جديدة في تاريخ البلاد العربية المجيدة واستحقت ان تكون صاحبة الفخر الاعظم باسترداد الاستقلال التام الدائم لبلادها ما دامت السماء والارض ان شاء الله تعالى .

وان نظرة واحدة فيما كانت بلادنا عليه بالأمس وما صارت اليه اليوم بحول محول الاحوال كافية لترديد شكر الله تعالى منا جميعا على جزيل آلائه وعظيم نعمائه فقد ابدلها من العسر يسرا ومن الخوف أمنا ومن الضعيف قوة وكانت مقدراتها تحت تصرف وصي جاهل لا يراعي فيها الا ولا ذمة فأزاحه الله عنها وصارت حكومتها منها وفيها . وفتحت لرجالها على اختلاف طبقاتهم ابواب العمل لادراتها واستعمال عقولهم وذكائهم ومواهبهم في تحسين احوالها . كما فتح لأبنائهم الطريق القويم اذا جدوا في ادراك الفضائل وتحصيل الكمالات حتى يبلغوا الله عز وجل سعادة الدنيا بتولي المراتب العالية في دولتهم والمناصب الجليلة في حكومتهم ويحصلوا على سعادة الاخرة بإيفاء ما يجب علينا من خدمة وفود الله وحجاج بيته الحرام واستحصال جميع الاسباب التي تستلزمها راحتهم من كل الوجوه . وان عزائم حكومتنا معقودة للنهوض بامر المعارف على اساس قويم يضمن تهذيب ناشئة البلاد ان شاء الله تعالى على الوجه الذي اشرنا اليه . وان كل ما حصل حتى الان ليس الا جزءا قليلا مما ستناله البلاد من الخير التدريجي الدائم . وان كان كثيرا بالنسبة الى ما نحن فيه من التدابير الحربية وبالنسبة الى الوقت القصير الذي تمتعت فيه الأمة بالاستقلال.

ومما لا يختلف فيه اثنان ان تأسيس الممالك يحتاج الى ان تبذل فيه كل طبقات الامة ما تستطيعه من السعي والجهد والعمل . وان يقوم كل فرد من افرادها بما يحسنه من وسائل المساعدة للنهضة العامة حتى يتم الخير العميم على ايديهم جميعا فتشترك الامة كلها في نتائجه بعد اشتراكها في مقدماته وبهذا تقيم الامم صروح المجد وتهيىء لممالكها اسباب الهناء والسعد .

واهم ما ينتظر من الامة اخلاص النية والتناصح والتعاضد والدفاع عن الحق والمصلحة القومية والوطنية فقد ورد في صحيح مسلم وسنن ابي داود والنسائي ومسند احمد ( أن الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ). وفي صحيح مسلم ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله اخوانا المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره التقوى ها هنا ( ويشير الى صدره ثلاث مرات ) بحسب امرىء من الشر ان يحقر اخاه المسلم . كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) وفي سنن الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ( يد الله على الجماعة ) فبالتعاون والتآزر والتناصح تنجح الأمم وتفوز في معترك الحياة وتكتسب رضى الحق ورضى الخلق وبهذا يأمرنا ديننا الاسلامي الحنيف .

فلنكن مسلمين حقيقة ومن كان مع الله كان الله معه وان ما نالته جيوشكم حتى الآن من النصر والفوز لم يكن الا بالاخلاص والنية الصالحة واستئصال شأفة الالحاد والفساد . وشتان بين من يؤسس بنيانه على التقوى ومن يؤسس بنيانه على شفا جرف هار . وان من باب التحدث بالنعم الإلهية والوفيقات الصمدانية ما ترونه من اني لم اضن بنفسي وراحتي وحياة اولادي على الدفاع عن راحة ابناء جلدتي ومصلحة بلادي وذلك لما علمته من ان الخدمة لا تتم الا بان يعمل لها كل بما يستطيع .

ومن نعم الله تعالى على بلادنا هذه العربية اتفاق مصالحها مع مصالح من والاها من حلفائها واعلانهم العطف عليها في آمالها وأمانيها وتصريحهم بأن من النقط التي لا تقبل التغيير والتبديل بقاؤها في ايدي حكومة اسلامية مستقلة امينة من كل طارىء خارجي وان من مقتضى اخلاقنا الاسلامية التي منها الاعتراف بالجميل شكر حلفائنا الكرام على اخلاصهم في صداقتنا وحسن سيرتهم معنا وبذلهم الوسع فيما فيه خير هذه البلاد واننا سنحرص على دوام ما يؤيد هذه المنافع المتبادلة الى ما شاء الله .

ومهما كان حكمنا على حالة بلادنا في الوقت الحاضر من جهة ما يظهر في النظرة الاولى من قلة اسبابها الاقتصادية . ولكن مباشرة العمل ستبين لكم انها تأتي بثمرات لم تكن في الحسبان فيكون بها تعديل الحاجة وتهوين الضرورة التي احست البلاد بها في الشهر الاول بل في الاسبوع الاول من وقوع الحصر .

ولم يبق لاحد عذر في التقصير بشيء من اسباب الارتقاء بعد ان فتحت ابواب الاكتساب الخارجية للرجال وابواب المدارس للاطفال وسوف تستمر حكومتنا في هذا السبيل ان شاء الله حتى تستكمل كل اسبابه لاسيما المدارس المساعدة على ذلك بكل انواعها كالمدارس التجارية والزراعية والصناعية والطبية والهندسية وسائر ما نحتاج اليه في حياتنا الجديدة والعمران الحاضر على الطريق والوجه المناسب لقدسية بلادنا حتى يسهل استثمار ما اعد الله تعالى فيها من لوازم الحياة على ايديكم وبواسطتكم في عهد قريب ان شاء الله تعالى وليس ذلك بعزيز عليكم بالنظر الى ما خصكم الله تعالى من الذكاء والفطنة وان خطتنا الاساسية هي المحافظة على ما نحن فيه والسعي لتنميته والتقدم به بالتدريج الذي تقتضية حالة البلاد ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ).

الخميس 4 صفر الخير سنة 1335هـ (10 كانون الاول 1916 ) شريف مكة المكرمة وملك البلاد العربية الحسين بن علي



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات