شراء وقت وتأجيل الأزمة

تشير تجارب العالم الأخيرة إلى أن علاج أية أزمة مالية أو اقتصادية كبرى يكون برش المال عليها ، فالدراهم مراهم توضع على الجرح فيشفى!.
الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في أميركا عام 2008 عولجت بإصدار الحكومة الأميركية وبنكها المركزي مليارات الدولارات ، مما حال دون تحويل الأزمة إلى كارثة.
وأزمة اليورو عالجها الاتحاد الأوروبي بتأسيس صندوق وضع فيه 750 مليار يورو ، جاهزة لإطفاء النار إذا اشتعلت في أي مكان من الاتحاد.
ومجموعة العشرين درست الأزمات الراهنة والمحتملة ، وقررت تخصيص المليارات لهذا الغرض.
الأزمة التي بدأت في أميركا تعـود للانفلات وغياب الرقابة في وول ستريت ، وبالتالي تراكمت الفقاعة حتى انفجرت. وأزمة اليونان تعـود لعجز الموازنة وتراكم الديون وإفلاس الحكومة وعدم قدرتها على السـداد. في جميع الحالات لم تكـن هناك أزمة سـيولة عابرة ، بل أزمة بنيوية حقيقية تم تبريدها بتوفير السيولة.
السيولة الإضافية في أميركا لم تكن بديل الانضباط والرقابة وإخضاع فعاليات السوق للمراقبة المشددة ، والسيولة في اليونان ليست بديلاً لتقليص عجز الموازنة ، والتوقف عن الإنفاق بأكثر مما تسمح به موارد البلد ، وبالتالي تراكم المديونية.
رش المال في الحالتين لا يعالج المشكلة الأساسية ، ولكنه يشـتري وقتاً ويؤجـل الأزمة ، فهل يعتبر ذلك حلاً ناجعاً ؟ الجواب يعتمد على ما سوف تفعله الدولة المأزومة في الوقت الذي اشـتراه لها المال ، فإذا استخـدمت هذا الوقت لتصحيح أوضاعها ، وتعديل اعوجاجها ، وتلافي العيوب ونقاط الضعف التي أدت إلى الأزمة ، كان ذلك حلاً ناجعاً. أما إذا اسـتغل التأجيل والوقت الإضافي للاستمرار في نفس الممارسات وعدم التصحيح ، فإن الأزمة تعـود بأقوى وأشـد مما كانت.
رش المال على الأزمات لا يحلها ولا يعالج أسبابها ، ولكنه يوفر مهلة للتنفس والإصلاح. وهو حل قابل للتطبيق في البلدان الغنيـة ، أما البلدان الناميـة فليس لديها مال ترشـه على الأزمات إذا حدثت ، وليس أمامها سوى القبول بوصفات صندوق النقد الدولي ، والتنازل له عن بعض سيادتها ، لأن الصندوق سـيحميها من الدائنين ويوفر لها الوقت للتصحيح ، ولكنه سيفرض سيطرته على حكومة تعتبر قاصراً وغير قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة لافتقارها للشرعية.
(الراي )