ما لم يقله الراوي

تم نشره الإثنين 12 تمّوز / يوليو 2010 05:35 صباحاً
ما لم يقله الراوي
خيري منصور

الخمسينيات العربية من القرن العشرين التي كان يربط بينها وبين رياح الخماسين اكثر من وجه شبه ، بدءا من الغبار وحجب الرؤية والتقلب المناخي كان نائب برلمان يقف امام المسجد في احدى القرى بعد ان يصعد الى برميل كاز فارغ ومقلوب او على صندوق خضار ليضع يده على عنقه ويعد الناس بتحرير فلسطين. ومن وصلوا في تلك الاونة الى سدة الرئاسة من جنرالات وانقلابيين لم يحققوا احلامهم لانهم عباقرة في العسكرية او السياسة ، ومعظمهم كانوا عائدين للتو من هزيمة موزعة بالتساوي بين سبعة جيوش ، اما القرش الفلسطيني فقد كان مثقوبا وتلك حكاية اخرى،.

كان عدد من العرب اقل باضعاف مما هو الان ، وعدد جامعاتهم لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة ولم تكن جيوشهم بهذا التعداد وكذلك المتعلمون منهم ، وبالرغم من ذلك تبادلوا الوعود العرقوبية بتحرير فلسطين ، والان بعد ان بلغ العدد اكثر من ربع مليار نسمة وليس مواطنا واصبح عدد الجامعات بعدد محطات البنزين وانفق تريليون دولار على التسليح.. لم يعد العرب قادرين على رفع الحصار عن غزة.

كم تراجعت الاحلام ، وتقلصت الوعود. والمفارقة ان الكثرة تحولت الى قلة نوعيا ، وفائض السلاح تحول الى انتحار كما ان فائض التعليم انتهى الى هذا الحال الذي يتعذر علينا توصيفه في اقل من كتاب. لقد اصبح العرب فرزدق القرن الحادي والعشرين الذي توعد مربعا.. فقيل لمربع ابشر بطول سلامة ، ومن توعدوا بيريز وشامير وشارون ونتنياهو ساهموا في اطالة اعمار هؤلاء ، فما حدث هو ان الذين ماتوا من بيد الدي. دي. تي ليس الذباب بل ظائر الشحرور الذي يتغذى عليه ولم يتلقح مثله ضد هذا المبيد.

ما لم يقله الراوي وقد يتجرأ على قوله بعد خمسين عاما ، هو ان امة باسرها اخفقت في ايصال علبة دواء ورغيف وقلم رصاص الى غزة فجاء الناشطون من كل فج عميق وغير عميق ومنهم من قضى نحبه في الطريق الى القطاع ومنهم من ينتظر ، وما لم يقله الراوي ايضا هو ان هذه البراقش التي جنت على نفسها وابنائها وتمددت الجناية الى احفاد احفادها لم يخطر ببالها ذات سراء ان الضراء قادمة في الطريق ، وحين تيسر لها من يرى عن بعد مثل زرقاء اليمامة فقأت عينيها وملأتها بالرمل ، لانها لا تريد ان ترى غير ما تشتهي ، ولأن الخائف يكذب على نفسه وغالبا ما يقلد النعامة في استراتيجيتها الدفاعية الخائبة.

ولان لدينا منذ نصف قرن على الاقل رواة محترفي كذب وتزوير فقد رأينا وسمعنا كيف تغزل هؤلاء ببياض الغراب وهديل البوم وساقي الافعى واجنحة السلاحف ، وكان علينا ان نصدق لانه لا حول لنا ولا قوة ، ولان العين رغم بصيرتها فان اليد مبتورة من الكتف ، فلا اصابع كي تشهد او تضغط على زناد او تتهم.

الرواة القادمون سوف يسددون هذه المديونية التي اضاف لها التاريخ الغاشم نسبة تتعاظم من الربا سواء كان ربا اخلاقيا او سياسيا او اقتصاديا،.

وقد يقول احفادنا ان لم يقتلوا في البطون والارحام بان الرواة كذبوا حتى ولو صدقوا ، فالمنجمون لا يزعمون احتكار الحقائق ويتحدثون عما سوف يقع وليس عما وقع.
( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات