الديوان و"المظلة الإنسانية"

أحد التقاليد الأساسية الذي كرّسته السياسة الأردنية، خلال العقود السابقة، فأصبح بمثابة "علامة مسجّلة" لنا عربياً، ومنافسين فيه عالمياً، هو الاهتمام بالجانب الإنساني وتغليبه على الأبعاد السياسية.
الديوان الملكي ظلّ موئلاً للفقراء والعاجزين، وتحديداً ذوي المتطلبات الإنسانية الذين لا يملكون مالاً ولا جاهاً ليخرجوا من محنة أصابتهم أو مرض ألمّ بهم، فيلجؤون إلى الديوان.
استوعب الديوان الملكي جانباً مهماً من "الأبعاد الإنسانية" للمحرومين والفقراء، تحديداً في مجال العلاج، ما جعل من الفاتورة المالية كبيرة جداً تصل إلى مئات الملايين خلال السنوات الأخيرة.
ذلك دفع إلى تفكير الحكومات السابقة والدوائر الرسمية بإجراءات عملية تمنع من ليسوا بحاجة إلى التغطية الإنسانية من الاستفادة من الباب المفتوح، على حساب الفئة المستحقة، وذلك من خلال جملة من التواقيع يقدمها المعني من المؤسسات الحكومية الاجتماعية والإنسانية المختلفة حول وضعه المالي.
مع أنّ الإجراءات الجديدة تُقنِّن الجانب الإنساني وتمأسسه، إلاّ أنّها تُعقّد الأمر على من يتقدمون بطلبات، وتُصعِّب العملية عليهم، كما أنّها تفترض أنّ الفئات الوسطى جميعها قادرة على تحمل كلفة العلاج، التي تصل إلى أرقام قياسية في أمراض وظروف معينة، وهو بالطبع ما لا يملكه أغلب الأردنيين.
في السياق نفسه، فإنّ "أبناء غزة" المقيمين في الأردن، ممن لا يحملون الرقم الوطني، هم ممن يستحقون أن تشملهم المظلة الإنسانية للديوان، وألا يتم استثناؤهم من هذا الباب، بسبب الجانب السياسي.
وبالرغم من وجود قسم متخصص بوزارة الصحة لإعفاءات هذه الشريحة، إلاّ أنّ ذلك لا يشمل أمراضاً معينة ومكلفة مادياً على طبقة واسعة.
ما يذكّر بهذه الشريحة العريضة رسالة وصلتني من أحد المواطنين يعاني (وفقاً للوثائق الطبية المرفقة) أمراضا، لا يملك بقدرته المالية المتواضعة تحمل مصاريفها.
إذ يقول في رسالته "لقد راجعت مستشفى الملك عبدالله المؤسس قبل سنة ونصف تقريباً لإجراء بعض الفحوصات، وذلك بعد حصولي على إعفاء طبي من الديوان الملكي العامر، وبعد الكشف تبين وجود تليف بالكبد، وتم استكمال الفحوصات للتأكد من ذلك، ..، ولسوء الحظ فإنّ الإعفاء الطبي انتهى بتاريخ 27-9-2008، ولم أستطع متابعة حالتي نظراً لعدم الموافقة على تجديد الإعفاء الطبي من الديوان الملكي لعدم وجود رقم وطني وضيق الحال، حيث أن التكاليف عالية بالنسبة لي.. وبتاريخ 12-10-2009 ازدادت حالتي سوءاً فقمت بمراجعة مستشفى الجامعة، حيث أكد لي الأطباء وجود تشمع في الكبد، وأني بحاجة ماسة للعلاج والفحوصات (علماً أن لي ابنة تعاني من الروماتيزم عمرها 7 أعوام وبحاجة لدخول المستشفى)..".
"الغطاء الإنساني" بعدٌ حيويٌّ في السياسة الأردنية تزداد أهميته اليوم في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة وعجز أغلبية المواطنين عن التكيف مع هذه التحولات، ما يدفع إلى تعزيز هذا البعد، لا تعقيده أو التخفيف منه، والتفكير بطريقة يشارك فيها القطاع الخاص وأهل الخير بصورة بنيوية في بناء المظلة الإنسانية.
( الغد )