أميري : لغز «الغيبة» وطلاسم «الظهور»

قد لا نعرف أبداً ما الذي حصل مع عالم الفيزياء والنظائر المشعّة الإيراني شهرام أميري ، لا كيف وصل إلى الولايات المتحدة وعن أي طريق ، طائعاً أم مُكرهاً ، ولا كيف عاد إلى بلاده ، بملء إرادته أو رغماً عن أنفه ، ولا عن الصفقة التي تفوح رائحتها في سماء العلاقات الثنائية بين البلدين الخصمين ، ولا عن الأطراف "الثالثة" التي نسقت وساعدت وسلمت واختطفت وتوسطت إلى غير ما هنالك.
كل ما نعرفه أن أن العالم الإيراني كان في زيارة عمرة لمكة المكرمة ، وقد دخل إليها متنكراً بجواز سفر يحمل اسم "حجي أميري" لحجب هويته الأصلية ، وأن الرجل اختفى بعد ذلك من دون أن يترك أثراً ، إلى أن بثت طهران أشرطة مسجلة له حوت معلومات متناقضة عن أسباب وجوده في الولايات المتحدة ، قال في أحدها أنه تعرض للاختطاف ولم يشر لذلك في الشريط الثاني.
الرواية الأمريكية حول وجود أميري على الأرض الأمريكي - جاء بملء إرادته ويغادر بملء إرادته - ليست مقنعة لأحد ، وهي من نوع وركاكة الرويات التي تروّجها الأنظمة البوليسية في العالم الثالث عادة ، إذ كيف لرجل بهذا الوزن والموقع أن يأتي إلى الولايات المتحدة وأن يعيش في مكان مجهول فيها ، ليجد نفسه ذات صباح مبكر بعد 14 شهراً ، أمام مكتب رعاية المصالح الإيرانية في واشنطن عائدا إلى وطنه ، أين إجراءات الأمن والفيزا والصفقات التي تبرم في مثل هذه الظروف ، لماذا التستر على وجوده في الولايات المتحدة طوال هذه المدة ، ومن أين جاءها وعبر أي مطار أو منفذ حدودوي ، وبالتعاون مع من ، ولماذا يربط الناطقون باسم الإدارة الأمريكية عودت أميري بتحرير المحتجزين الأمريكيين الثلاثة في إيران؟.
أما الرواية الإيرانية ، فلا تقل تهافتاً عن الرواية الأمريكية ، فكيف لرجل مختطف أن يصور أشرطة فيديو يجري بثها على شاشة التلفزيون الإيراني مرتين ، وكيف لكنز مختطف بهذا الوزن أن يتصل بجمهور على شبكة الانترنت ، وأية أوراق تلك التي لعبت بها أو لوّحت بها طهران حتى استطاعت إرغام الولايات المتحدة على إطلاى سراح شهرام أميري ، وما هي المعلومات التي ستشكف عن إيران في قادمات الأيام ، والتي حسب الزعم الإيراني ، تثبت تفوق الاستخبارات الإيرانية على نظيرتها الأمريكية؟،.
لو كان أميري مختطفاً أثناء تأدية مناسك العمرة ، لما أمكن لأحد أن يسجل له أشرطة فيديو أو يمكنه من الدخول على شبكة الانترنيت ، ولتعذر على إيران اللعب بكل "البراهين" التي تقول أنها قدمتها للأمم المتحدة ، وللولايات المتحدة - عبر القنوات الخاصة - ولو كان الرجل قد غادر إلى بلاد العم طوعاً كما كان يفعل بعض العلماء السوفييت زمن الحرب الباردة ، لما تطوّع بالعودة إلى بلاده بعد عام تقريباً ، ولما أعدت له بلاده استقبالا يليق بأبطالها الفاتحين.
قد يكون أميري اختطف وتعاون مع محققي الاستخبارات كما قيل ذات يوم في الأنباء ، وقد يكون سُلّم إلى بلاده تسليماً ، بالضد من إرادته ، وفي صفقة لتبادل المعتقلين والمختطفين ، وقد يكون بتصريحاته عن "فشل الاستخبارات الأمريكية" وانتصار استخبارات بلاده ، يريد تفادي أسوأ السيناريوهات ، وقد يكون أميري اختطف ولم يتعاون ، وبات بقاؤه بعد 14 شهرا عبئا على خاطفيه وليس ذخرا لهم ، وقد يكون هؤلاء فضلوا "الإتجار" به لتحرير رعايا لهم في إيران على الاحتفاظ به ، بعد أن فقد قيمته.
وقد يكون أمريكيا غادر طواعية ولقي ترحيبا كبيرا ظنا من مستقبليه بأن لديه كنزا من المعلومات ، وبعد أن تبين أن الرجل لا يحظى بكل هذه القيمة الفائضة ، تعرض للترك والإهمال ، فما كان منه إلا أن قلب "الاسطوانة" وأخذ يبعث بشرائط فيديو ورسائل عبر الانترنيت ، ويتحدث عن "مسلحين وخاطفين" لكأنه في الصومال وليس في الولايات المتحدة ، وقد يكون الاستلام والتسليم والمقايضة قد جاءت لمصلحة الأطراف الثلاثة: إيران الباحثة عن نصر ، والولايات المتحدة المتطلعة لاسترداد مواطنيها ، وأميري الذي قد يكون اقتنع أخيراً ، بأنه يمكن لنبي أن تكون له كرامة في بلاده.
لا ندري ، فنحن أمام واحدة من الألغاز الاستخبارية العصية على الفك والتركيب... نحن أمام روايات تعاني جميعها ثقوباً سوداء كبيرة.... نحن أمام سيناريوهات لا أحد منها مكتمل أو شديد الإقناع ، وفي ظني أن كشف ملابسات اختفاء وظهور أميري ، قد تفكك بعض طلاسم اختفاء علي رضا أصغري أحد قادة الحرس الثوري وأحد نواب وزير الدفاع من تركيا ، ونصر الله طاجيك الدبلوماسي الإيراني في لندن ، وأردبيلي المعتقل في جورجيا ، وربما كثيرون غيرهم ممن لم نعرف حتى الآن.(الدستور)