حكايات عمّانية

تم نشره الجمعة 16 تمّوز / يوليو 2010 03:13 صباحاً
حكايات عمّانية
ماهر ابوطير

وصل الى عمان ، بعد ان اغلق مطعمه في الولايات المتحدة ، وعرضه للبيع دون ان يشتريه احد ، كانت الدنيا رمضان هنا ، وهو في ضنك كبير من وضعه السيئ.

وصلته قصة عدد من المساجد في ذلك الجبل في عمان وقد انقطع عنها الماء ، جراء ازمة صيفية ، راح واتفق مع اصحاب صهاريج مياه ، وحل مشكلة المياه في المساجد ، كنا يومها في الخامس والعشرين من رمضان ، حين وصل الماء الى ستة مساجد على حسابه وهو المدين ، ليشرب الناس ويأخذوا الماء حتى الى بيوتهم ، وليتوضأ المصلون ، ولا انسى ابداً انه في ليلة احياء ليلة القدر خرج من صلاته ليتصل بي باكياً ، وليقول ان الله قبل صدقه ، وان مطعمه بيع بثلاثة اضعاف سعره ، معوضا خسائره ، معتبراً ان السر في الماء الذي قدمه لبيوت الله ، وهو بالكاد يملك مصاريف رمضان.

القصة تقول ان من كان به كرب ، فليعمل عملا صالحاً لوجه الله ، فيفك كربه ، واذا ضاقت بك الدنيا ابحث عن يتيم او فقير او مريض ، وتقرب الى الله عبره ، ولا تقل مالي قليل ، فالعبرة بالنية ، وليس بقلة المال او كثرته.

احدهم قرأ قصة انسانية لايتام ، وهو في الطائرة ، عائدا الى عمان في رمضان في زيارة ، واتصل بالعائلة ليزورها ، وليساعدها وهي تستأجر بيتا في منطقة شعبية معروفة. الرجل كان في سابق زمانه نجارا متدربا. غير ان الله اغناه ، فبات تاجراً غنياً جداً ، لا يعد ملايينه. حين وصل الى بيت الايتام ليلا ، وقف عند مدخل العمارة يبكي مثل طفل ، تبلل وجهه من البكاء. لان الله اراد تذكيره بالفقراء ، وتذكيره بنفسه. كانت المفاجأة ان الرجل الثري كان قبل اربعين عاما يتدرب على النجارة في ذات الطابق الاول من العمارة ، التي بها الايتام ، وكان يتلقى حصته من الضرب الشديد والاهانة ، ودارت به الايام وعاد بعد اربعين عاماً الى ذات العمارة مليونيرا ، ليساعد ايتاما. كان يبكي وهو يقول "قسا قلبي على الناس واوقفني الله هنا" حتى يقول لي.. هل تتذكر ألمك وفقرك هنا ، هل تتذكر كيف كنت لاتجد رغيف الخبز بل وتنام في المنجرة. بكى الرجل وصعد الى العائلة وكان نصيبها منه بيتا باسمهم ، وراتبا شهريا ، وتعليم من فيه.

والقصة تقول ان الله يعز ويذل ، وان من سلبك قادر على ان يعطيك ، وان من اعطاك قادر على سلبك ، وان العبرة ليس في تحديث نفسك بالخير وانت معدم ، ولكن بفعلك الخير وانت ثري وميسور ، فلا تنسَ ما كنت ذات يوم.

كانت الام حائرة في ابنتها الفقيرة جدا ، والمعدمة كحالها ، فهي على وشك الولادة ، الاب متوفى ، وزوج البنت لا يجد ديناراً لطعام اولاده ، والبنت في ايام ولادتها تعيش عند امها في الايام الاخيرة من رمضان ، وهي بحاجة الى عملية قيصرية ، كلفتها خمسمائة دينار ، حتى وصل ذاك المتبرع الى العائلة التي لا يعرفها ، وحين دخل الى البيت ورأى حالة من فيه جن جنونه ، فتبرع للابنة الحامل بخمسمائة دينار للولادة ، وحين رأى حالة البيت وحالتهم ، اكمل المبلغ الى خمسة الاف دينار ، كان مطأطئ الرأس لا ينظر في وجه احد. دفع المبلغ وهو حزين جدا على العائلة. كانت المفارقة ان السيدة حاولت ان تتعرف عليه ، وسألته عن اسمه واسم عائلته ، وبعد ان ذكر اسمه ، قالت له.. ألست ابن فلان؟قال بلى. قالت يالهذه الدنيا.. هل تعرف ان زوجي قبل خمسين عاما ، انفق على اسرتكم لعامين ووالدك في السجن ، وان زوجي جعلني ذات يوم ابيع ثلاث اساور لاجراء عملية لك وانت طفل ، يا لهذه الدنيا الصغيرة ، وكأن المال يعود مثنى وثلاث ورباع ، والخير لا يضيع.

والقصة تقول ان فاعل الخير ، لا يضيع اجره. مالا او ستراً او صحة. دنيا او آخرة. فالذي عمل المعروف قبل خمسين عاما ، عاد معروفه اضعاف لمن بعده ، بعد كل هذه الفترة على يد الابن الذي لم يكن يدري انه يسدد دين العائلة اساسا ، ويرد اليها معروفها.

ايام قليلة تفصلنا عن رمضان ، فلا تجعلوه شهراً للجوع او الغضب او التفاخر الكاذب او المزاحمة ، اجعلوه شهرا لله ، في كل تصرف ، وتذكروا غيركم ، فلا تحل لكم فيه بركة ، اذا لم تنالوا دعاء فقير او محتاج او يتيم او مريض او معدم او مظلوم ، ولا تحل لكم فيه بركة ان لم تفعلوا الخير لجار او اخ او اخت ، ولا تحل لكم فيه بركة ان لم تعيدوا الحقوق لاصحابها.

اسقوا عباد الله العطشى فيسقيكم الله.
 ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات