علاء الأسواني يحطّم الجدران

أحرص دوما على متابعة مقالات الروائي والأديب المعروف علاء الأسواني في صحيفة الشروق المصرية، وأشعر بمتعة مختلفة، وبلغة استثنائية مغايرة لعالم المقالات السياسية في الصحف العربية، بالرغم أنّها مقالات سياسية بامتياز.
الأسواني، صاحب روائع يعقوبيان ونيران صديقة وشيكاغو، يطل علينا أيضا من خلال عموده في الشروق، بأسلوب جميل وسلس يؤكّد فيه أهمية الرسالة الوطنية - السياسية للأديب، وأهمية، أيضا، أن يطوّر الأديب لغته ومصطلحاته ويصل إلى قلوب الناس وعقولهم.
ميزة مقالات الأسواني أنّها تتجاوز النخب السياسية إلى الشارع، وتتغلغلها رسالة سياسية جريئة دوما، بسقف لا تجد مثيلاً له في العالم العربي، على الأقل في عالم الصحف اليومية، وهو سقف يتحمّله المشهد الإعلامي المصري الآن، إذ يشهد في الآونة الأخيرة "ثورة" في الحريات الإعلامية وصلت إلى درجة شديدة من نقد الحكم والفساد والأوضاع السياسية الراهنة.
المفارقة العجيبة أنّ هذا الانفجار في الحريات الإعلامية يسير باتجاه معاكس تماما لمشهد ازدياد القمع السياسي للمعارضة وارتفاع حدة الصدام بين الحزب الحاكم وحركات المعارضة المختلفة، بخاصة الشبابية الجديدة، كحركة 6 أبريل، وكفاية، والجيل الشاب الجديد الذي يتفاعل مع قضاياه ويستثمر أدوات مثل التويتر والفيس بوك والمدونات، لخلق مساحات أوسع من الحرية.
في زيارتي الأخيرة للقاهرة تفاجأت بمسارح شعبية مجّانية صغيرة تقيمها مجموعات من الشباب الفنانين الصاعدين الجدد، تحمل نقدا شرسا للوضع السياسي، وكذلك بأغانٍ وأشعار ثورية جديدة تحاكي الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، وأفلام جريئة (بنتين من مصر، حين ميسرة، وهي فوضى)، ومحاولات متعددة ومتنوعة لاختراق الأسوار المنيعة التي تقيمها السلطة لمنع مرور قطار الإصلاح والتغيير.
يكفي النظر كيف تحول مقتل شاب بسيط (خالد سعيد) إلى حركة احتجاجية شعبية واسعة، وكيف تجرأ الناس إلى التعبير عن سخطهم، وكيف انخرطت أسماء كبيرة في الاحتجاجات مثل البرادعي، ما دفع السلطة أكثر من مرّة إلى إعادة التحقيق الصوري في القضية.
أشعر بارتياح عميق لبقاء رمق الأمل فينا للتغيير وأنا أقرأ مقال الأسواني عن خالد سعيد "الشاب الذي عاش إلى الأبد"، إذ يقدم صورة في غاية الروعة ضد التعذيب والقمع ودفاعا عن الحريات، أو مقاله "عشاء مفاجئ مع شخصية مهمة"، ويقصد جمال مبارك، إذ يوجه له انتقادات ذكية ومهمة وجريئة جدا، أو حتى مقاله "هل يحمينا الإذعان من الظلم".
قيمة هذه المقالات مع الحركة الجديدة في مصر أنها تحطم جدران الخوف لدى الناس وتقتحم التابوهات السياسية، وتؤكد أن الحريات العامة لا تمنح بل تنتزع وأن المسألة تتطلب معركة حقيقية تخوضها نخب تؤمن بوطن للمستقبل وليس للارتزاق والخنوع والذل.
ما أحوجنا (هنا) أن نبتكر الأدوات والأساليب الأدبية والفنية والسياسية التي تربط الناس دوما بمعركة الإصلاح السياسي الحقيقي وتخترق الجدران المنيعة!
( الغد )