ثلاثية الشر

العنف والارهاب والاستبداد اصبحت جزءا من حياة الناس في العديد من البلاد العربية والاسلامية, حيث تتعايش المجتمعات مع مشاهد القتل وتقطيع الاجساد وبقع الدم نتيجة اعمال الانتحاريين او الصدامات مع السلطات والقمع المنظم للاحتجاجات والمظاهرات. مشاهد ماثلة امام الرجال والنساء والاطفال تماما مثل رؤية الخضار والفواكه في الاسواق.
بالنسبة للمجتمع الدولي ودوائره السياسية والإعلامية ايضا, اصبح المشهد روتينيا, فنادرا ما يجد الرأي العام في العالم خبرا قادما من دول الشرق الاوسط لا يتضمن مشاهد الدمار والخراب والقتل, جملة وفرادى. الاهتمام يتصاعد فقط, عندما تنتقل اعمال الارهاب الى دولة من خارج العالمين العربي والاسلامي مثل ما وقع في اوغندا ليلة فوز اسبانيا بكأس العالم لكرة القدم.
لقد صدرت التصريحات من عواصم الغرب والشرق منددة بالحادث الارهابي في كمبالا الذي نفذه انتحاري من حركة صومالية اسلامية وادى الى مقتل 76 شخصا بينهم اطفال, لا ذنب لهم, إلا انهم تجمعوا في مكان عام لمشاهدة المباراة النهائية في جوهانسبرغ. مثل هذه الادانات لم تصدر بالقوة نفسها عندما قام انتحاري آخر مطلع هذا الاسبوع بتفجير نفسه بين مئات من (ذوي الاعاقة) في لاهور الباكستانية كانوا قد تجمعوا لتسلم كراسي بعجلات قدمتها لهم جمعيات خيرية. الحادث المأساوي اودى بحياة 102 من هؤلاء الذين كانوا يحلمون بفرصة الانتقال والحركة لمشاركة الاصحاء بالحياة, فاذا بهم ينتقلون اشلاء الى الحياة الآخرة, لان انتحاريا اراد ان يقتل مسؤولا "لم يحضر"!!.
ثلاثية العنف, والارهاب, والاستبداد هي "الجمرة الخبيثة" التي اصابت هذه الامة, من عرب ومسلمين في قرن اثبت فيه العلم انه خدم الحياة البشرية بما لم تفعل اية حضارة اخرى, حيث يقدم للشعوب فرصة العيش في حياة اقل فقرا ومرضا واكثر تنوعا وقدرة على التنعم بمعجزات الخالق التي وفرّها على الارض من اجل سعادة الانسان وللتقليل من الشرور القادم من الطبيعة حينا ومن الاستبداد والعبودية وعدم المساواة احيانا اخرى.
يتصارع الاستبداد وأداته العنف مع الارهاب, لكن ما يجمع هؤلاء جميعا خطابهم السياسي الموحد, فالارهاب يقتل الابرياء بالجملة من ابناء جنسه ودينه (معظم الوقت) بحجة انه يقاوم الاجنبي الغازي الذي ارسل جيوشه الى بلاد المسلمين. والاستبداد يستخدم العنف في الشوارع ويقتل ويلقي بمواطنيه في غياهب السجون بحجة قطع الطريق على اي تدخل اجنبي في شؤون بلاده الداخلية. الواقع ان الاستبداد والارهاب هما الحجة التي اعطت الفرصة للمخططات الاجنبية والصهيونية كي تُخرج المؤامرات من العقول الشريرة والادراج السوداء لتتحول الى جيوش واسلحة دمار تقتل وتعتقل وتُهجّر بلا حساب.
اما اكثر ضحايا الاستبداد والارهاب والعنف او ما يمكن تسميته بثلاثية الشر, فهي المقاومة الوطنية الصادقة خاصة في فلسطين والعراق, حيث تختلط الصورة هناك تحت ضغط الحملات السياسية والاعلامية للدول الغربية ومعها اسرائيل من اجل وضع المقاومة والارهاب في خندق واحد, والخسارة كانت فادحة, لان كل هذا الضجيج حول الارهاب وسطوته وانتشاره ودوره وخطره على الغرب واسرائيل لم ينتج عنه اي تهديد صغيرا كان ام كبيرا لاسرائيل واحتلالاتها, التي بقيت بقعة آمنة منه ولا اي تهديد جدّي لمصالح الغرب, فيما امتلك الاعداء الحرية لضرب وحصار المقاومة الحقيقية في فلسطين ولبنان مع تحويل الاسلام الى (شبهة جنائية) على الساحة العالمية.
( العرب اليوم )