هل يبقى "الرقم الصعب"!

في تصريحاته الأخيرة، خلال افتتاح فروع لحزب التيار الوطني، يعود رئيس مجلس النواب السابق، عبدالهادي المجالي ليثير شكوكا جدّية في إعلان نخب سياسية عن نهاية مرحلة الرجل، بدخوله مجلس الأعيان.
وإذا كان المجالي يصرّ على أنّه لم يحسم بعد قراره بالترشح للانتخابات النيابية، ما يمثّل "كلمة السرّ" للحكم على نواياه في المستقبل، إلاّ أنّ إصراره على السير قدما في تجربته الحزبية، بالرغم من التراجع الهائل في الدفع الرسمي له، خلال الفترة الأخيرة، يؤكّد أنّنا لسنا أمام رجل قرّر الاكتفاء بـ"مقعده في الأعيان" وبدعوات العشاء والغداء واللقاء بزملائه من الوزراء والقيادات الرسمية، والاستمتاع بالدردشة حول المناخ السياسي.
المجالي يتلقى الإشارات ويرسلها في الوقت نفسه، ولعل هذه ميزته على أقرانه، فهو قادر على القراءة الدقيقة لموازين القوى الداخلية، وعلى تحديد موقعه من الانسجام مع رغبات الدولة أو مشاكستها ومعاندتها، ولديه قدرة دقيقة، أيضا، على التمييز بين الألوان الخضراء والحمراء والبرتقالية، ولا يشكو من "عمى ألوان".
فهو ما يزال يصر على أنّه "رقم صعب" في المعادلة السياسية، ولعلّ تصريحاته الأخيرة، في كلّ من المفرق والسلط، دليل واضح على أنّه يقوم بالإحماء لمعارك سياسية جديدة، يبدو أنّه ما يزال مترددا في تحديد مفاتيحها.
من ذلك، تحديدا، يمكن التقاط تصريح المجالي الدقيق، والوقوف عنده، عندما يقول " نـأملُ منكم، أن تكونوا عونا لنا في تشكيل أكبرِ كتلةٍ نيابية لتكونَ إطارا نيابيا وسطيا برامجيا ملتزما بقضاياكم، وملتزما بقرارات الحزب.. فلن نقبلَ بكتلةٍ هشة غيرِ متماسكة، لا تلتزمُ فيها الأقليةُ بقراراتِ الأغلبية. ولن نقبلَ بكتلةٍ لا تؤثرُ في قراراتِ الحكومةِ وسياساتِها وتوجهاتِها في كل الشؤون..".
إذن، هي رسالة من المجالي إلى "مطبخ القرار" أنّه لا يفكر باعتزال العمل السياسي، حتى لو لم يخض مباشرةً الانتخابات النيابية، فإنّه سيعمل من خلال الوصول إلى أكبر كتلة نيابية، وسيبقى مؤثّراً من خلالها.
طموح المجالي يعيد الكرة إلى ملعب "مطبخ القرار" فيما إذا كان سيقبل بذلك، أم أنّه سيرحِّل حساباته إلى حين انتهاء الانتخابات وتحديد صورة المشهد النيابي المقبل، إذ سيقرر عندئذ منح الضوء الأخضر لإنتاج "كتلة التيار الوطني" أم ستتشكّل كتلة أخرى، بعيداً عن المجالي وحساباته، بداعي أنّ الكتلة الجديدة هي الأقرب إلى تمثيل الدولة.
أختلف، شخصياً، مع المجالي، وقد سبق وانتقدت من الأصل فكرة "التيار الوطني"، عندما كانت تحظى بروافع رسمية وبدعم خلفي قوي، لكن والحق يقال ما يميّز الرجل أنّه لا يتصرف بـ"عقلية الموظف"، كما هي حال النخب السياسية الحالية، التي تتحرّك بالرموت كونترول، وقد خاض اختبارات الموالاة والمناكفة مع مطبخ القرار بنجاح، ويبدو أنه مع الانتخابات الحالية أمام "اختبارٍ صعبٍ" جديد!