موتى برعاية رسمية

تم نشره الثلاثاء 28 حزيران / يونيو 2016 12:51 صباحاً
موتى برعاية رسمية
حسن احمد الشوبكي

ثمة ما يدعو للتفاؤل بشأن استقرار الأسعار في الأردن، لخدمة واحدة على الأقل. إذ بقي سعر القبر عند خمسين دينارا، حسبما أكدت مصادر في أمانة عمان الكبرى، خلال السنوات الخمس الماضية، رغم ارتفاع كلفة تجهيز القبور!

وهناك ما يدعو للابتهاج أكثر عندما يعلم المرء أن بعض القبور يقدم مجانا لمن ليس له معيل، أو من يثبت أنه بلا دخل أو يحصل على معونة، شريطة إثبات ذلك بوثائق وتواقيع رسمية. إنها أعطيات كبيرة تجعل الفقراء والمسحوقين يموتون بسلام، من دون أن ينشغلوا بالتفكير في شراء قبر لا قدرة لهم على دفع سعره. صدقا، الحكومات في بلادنا لا تقصر مع الفقراء، فهي ترعى موتهم!

الاستقرار الآنف يخص سنوات معقدة وقاسية بين 2011 و2016. لكنه استقرار انحصر بالموت والقبر، أما باقي الأسعار والخدمات فشهدت ارتفاعات شاهقة قلبت حياة الأردنيين رأسا على عقب. إذ حتى العدس أصبح عصيا على الفقراء، بعد أن ارتبطت أسعاره اكثر ببورصات التسعير الدولية للسلع الغذائية الأساسية.

استقر سعر القبر، وتضاعفت المديونية في هذه السنوات العجاف؛ فمن مستوى 13 مليار دينار مديونية في 2011، أسهمت سياسات الارتجال والشهية المفتوحة على الإنفاق بمضاعفتها إلى نحو 26 مليار دينار منتصف العام الحالي.

وبخلاف ما سبق، بقي الحد الأدنى للأجور بين 2011 و2016 عند مستوى متدن، فما الذي يقوى على فعله مبلغ 190 دينارا لعامل متزوج ولديه طفلان؟ وإذا سلمنا بأن موجات الغلاء اجتاحت البلاد والمنطقة في السنوات الماضية بشكل يصعب تحمله، فإن ثبات الحد الأدنى للأجور خلال تلك الفترة يعني أن المواطنين، لاسيما الفقراء، واجهوا هذه السنوات من دون أي تحصينات تحميهم وعائلاتهم من تحمل أعباء الحياة. وتبعا لاستطلاعات محلية، فإن ربع الأردنيين يتقاضون رواتب شهرية تقع ضمن محيط الحد الأدنى للأجور.

بالعودة إلى الموت واستقرار أسعار القبور، يمكن القول إن ثبات سعر القبر عند خمسين دينارا يعني أن الاقتصاد لديه أدوات في الحفاظ على استقرار الخدمات إن أراد ذلك. لكنها أدوات تخص الأموات لا الأحياء، وإن كان الفقر يوازي الموت الأكبر؛ فتقلبات الأسعار والضنك الاقتصادي الذي كابده الأردنيون في السنوات الأخيرة، حولت حياتهم إلى مسلسل حسرة وأوجاع لا تنتهي، يشعر فيها المرء كأنه وسط عاصفة لا يدري إلى أين ستقذفه، فمواسم الإنفاق مرعبة بالنسبة له؛ إذ يخاف من المدارس والأعياد ورمضان، ولا يعلم ما الذي سيحل به في اليوم التالي!

(الغد 2016-06-28)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات