البحرين.. هي حرب ضد إيران

تم نشره الجمعة 01st تمّوز / يوليو 2016 02:16 صباحاً
البحرين.. هي حرب ضد إيران
محمد قواص

إذا كانت المعارضة الشيعية تقارع النظام البحريني بصفته سلطة سنية، فلماذا الاستغراب من أن يدافع النظام عن نفسه سنيا يستقوي بسنة البحرين كما بسنة الخليج والسنة في العالم.

التقيت بالشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق في البحرين نهاية عام 2011. كان ذلك في لندن بمناسبة تلبيته لدعوة المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” لعرض وجهة نظره من الأزمة بين المعارضة والنظام السياسي في البلد. كان المعهد اللندني الشهير قد وجّه دعوة أيضا للمشاركة في نفس الفعالية للشيخ د.عبداللطيف المحمود آل محمود رئيس تجمع الوحدة الوطنية في البحرين، الذي التقيته أيضا. وكان التجمع، على الرغم من تأكيد المحمود أنه عابر للطوائف، يمثّل ما يمكن تسميته بالكتلة السنية التي وقفت ندا لحركة الاعتراض الشيعي في فبراير من العام 2011.

في ظاهر الكلام مع الشيخ سلمان، آنذاك، كلام عن حقوق وديمقراطية وعدل وحكومة منتخبة. في ذلك الوقت كانت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، برئاسة الدكتور شريف محمد البسيوني، قد أصدرت تقريرها، وكان الاتصال مستمرا بين حكم ومعارضة، وكانت جلسات الحوار تقوم، رغم تحفّظات جمعية “الوفاق” على نوعية الحضور وجدول الأعمال. وكان وليّ عهد المملكة الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ممسكا بذلك الملف في سعي للوصول إلى تسوية ما تُخرج البلد من خطر هذا “الربيع” الذي تبتسم أنيابه في كل المنطقة.

في الاستماع إلى البحرينيين إبحار في تاريخ علاقة ملتبسة ومعقّدة. كان الشيخ المحمود يشرح لي بإسهاب كيف وقع البلد بين ليلة وضحاها، منذ 14 فبراير 2011، في يد الشارع المعارض الذي كانت تقوده جمعية الوفاق. لم تكن المعارضة البحرينية هي التي تتحرك، بل المعارضة الشيعية فقط، بحيث تنبّه السنّة لأول مرة إلى مفاعيل الضجيج في الشارع ومخاطره على راهن ومستقبل البلد.

يروي الشيخ المحمود أن العالم كان غير آبه لمصير الحكم في المنامة، وأن واشنطن لم تكن ربما تمانع في أن يحكم المعارضون البلد. يروي أن الأسطول الخامس الذي يرسو في قاعدته البحرينية قرر، على نحو عجيب ولأول مرة في تاريخ تواجده في البحرين، إبعاد بوارجه نحو عُمان بداعي “أعمال الصيانة”، مفترضا أن ما وراء ذلك كان تواطؤا أميركيا مع إيران.

يستنتجُ المراقب من كلام الشيخ المحمود أنه حين فرض “الشيعة” حضورا في شوارع المنامة اكتشف “السنة” أنهم سنّة. كانت الفكرة، وفق روايته، أن يتنادوا لصلاة جماعية في 21 فبراير، أي بعد أسبوع على انطلاق مظاهرات المعارضة، رفضا للأمر الواقع في شوارع البلد، “ففوجئنا” بأن الأمر تحوّل إلى زحف لم يشهده تاريخ البحرين قبل ذلك. يخبرني واحد من المعارضين السنّة السابقين لنظام الحكم في المنامة أنهم عملوا مع المعارضين الشيعية جنبا إلى جنب لعقود من الزمن، و”لم نعرف أنهم طائفيون” إلا حين سنحت لهم فرصة فبراير 2011، “صعقتنا تلك الحقيقة”.

يرفض الشيخ علي سلمان اختصار الأمر في بعد طائفي، كما يرفض أن يكون حراك البحرينيين الشيعة تابعا لأجندة الحكم في طهران. يكرر مساعدوه هذا الكلام ويسرّون لي حرجهم من تصريحات تصدرُ في إيران داعمة لهم أو زاعمة أن البحرين محافظة إيرانية يجب استعادتها. لكن المراقب يلاحظ بسهولة أن النفي لا يستقيم مع واقع الأمر، ويتناقض مع حقيقة غياب أي موقف من تلك المعارضة إزاء الشطط الذي ترتكبه طهران بحقّ البحرين.

بالمقابل، لا يعدو الأمر بالنسبة إلى البحرينيين، نظاما وحكومة وكتلا موالية للنظام أو أخرى معارضة لـ”الوفاق” وصحبها، عن كونه “مؤامرة” إيرانية ضد بلادهم. بعض قادة الاعتراض الشيعي كانوا يلتقون قيادة حزب الله علنا، ناهيك عن تقارير عن قيام الحزب بتدريب الناشطين، فيما تتعدد بيانات الأمن البحريني التي تتحدث عن خلايا نائمة أو أخرى ناشطة تمت السيطرة عليها.

هي حرب إيران في البحرين. هكذا رأى زعماء مجلس التعاون الخليجي الأمر فأرسلوا وحدات من قوات درع الجزيرة إلى البحرين في مارس 2011 لإبلاغ من يهمّهم الأمر في طهران، كما في واشنطن وعواصم أخرى، بأن الخليجيين لن يسمحوا بسقوط البحرين.

ما بين الأمس واليوم حلقات ومراحل طوّرت الصراع وبدّلت من وسائله. سُدَّتْ سبل الحوار وبات الصدام مفتوحا بين الطرفين. خسرت المعارضة الشيعية رهانها الداخلي والإقليمي والدولي لتحقيق إنجاز تاريخي يُسقط البلد في يدها. لفظ المزاج العربي الإسلام السياسي السنّي لحكم أي بلد، ولم تعد لعتاة الإسلام السياسي الشيعي في البحرين حظوظ في تحقيق ما عجز نظراؤهم السنّة عنه في المنطقة.

بات استقرار الحكم مطلبا خليجيا بامتياز، وباتت استعادة هيبة الحكم في المنامة أمرا مطلوبا، ليس لحكومة المنامة فقط، بل لأمن النظام السياسي لدول الخليج برمته. كان على المعارضة الشيعية أن تدرك تبدّل الظروف والتقاط ما طرأ من ديناميات أخرى، لكنها لم تفعل، وربما لم تكن تملك هامشا لأن تفعل.

بات عسيرا أن تقنع المعارضة أصدقاءها والمتفهمين لحراكها، قبل خصومها، أنها ليست بالمحصلة، أرادت ذلك أم أبت، أداةً إيرانية، حالها في ذلك حال الأحزاب الشيعية في العراق وجماعاتها في أفغانستان، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن.

لم يسعف حسن نصرالله وحزب الله وقادة الأحزاب الدينية في العراق ومنابر طهران الأخرى المعارضة الشيعية في البحرين في تخليصها من تهمة “إيرانيتها”. قدّمت الحملات التي شنّتها تلك الوجهات ضد البحرين ونظامها المسوّغ القانوني الشرعي للمنامة لمعاملة المعارضين على أنهم عملاء لدولة أجنبية تجاهر ليل نهار بعدائها لنظام الحكم في البحرين وحلفائه.

بات سهلا على المنامة اعتقال الشيخ سلمان الذي كانت تحاوره، وبات عاديا أن يحكم على زعيم “الوفاق” بالسجن، فيما تشدد محكمة استئناف على الحكم وتمدد فترته سنوات أخرى. وبات ضمن ذلك المنطق منهجيا إغلاق مقرات جمعية “الوفاق” ومنع أنشطتها.

يعكس الحكم بإسقاط الجنسية البحرينية عن الشيخ عيسى قاسم عزما رسميا على المضي قدما في وقف “التمدد الإيراني” داخل البحرين. تحمل تهديدات طهران ومنابرها المياه غزيرة إلى طاحونة المنامة باعتبار أن المتّهمين جميعا يمثّلون تمددا لطهران في البحرين يستدعي صدّه، على ما يفسّر غضب إيران من هذا المسّ بمصالحها.

أخطأت المعارضة في البحرين حين قدّمت نفسها مدافعة عن حقوق الشيعة في البلاد، أي أنها غير معنية بالدفاع عن حقوق غير الشيعة هناك. أخطأت المعارضة البحرينية حين نفضت ما هو غير شيعي، له صبغة سنية أو قومية أو يسارية، من صفوف حالة الاعتراض التقليدي في تاريخ البحرين. فحتى لو كانت للمعارضة في بلد معيّن صبغة طائفية تدافع عن حقوق الدروز أو الإيزيديين أو الصابئة…إلخ، فإن المنابر الدولية كانت ستتبنى الأمر بصفته دفاعا عن الأقليات. لكن حمل لواء الشيعة أخطرٓ العالم أجمع بأن الحراك إيراني الهوى يروّجُ خدمة لصالح حسابات طهران.

وفّرت المعارضة الشيعية في البحرين، ومنذ اللحظات الأولى، كل الأسباب التي لا تنتج قلقا للنظام السياسي في البحرين. وضعت شيعية المعارضة السنّة في مواجهتها، ما أراح الحكم من همّ اعتراض عابر للطوائف، وما عزز التضامن الخليجي والعربي والإسلامي لنظام الحكم في البحرين، وما أطلق يد المنامة في ردّ ما اعتبرته اختراقا إيرانيا بكل السبل المتاحة التي استخدمت والتي ستستخدم لاحقا.

في متن البلاد صدى لمنطق الراهن. فذلك المنطق يقول إنه إذا كانت المعارضة الشيعية تقارع النظام البحريني بصفته سلطة سنية، فلماذا الاستغراب من أن يدافع النظام عن نفسه سنّيا يستقوي بسنة البحرين كما بسنّة الخليج والسنّة في العالم. "هو تماما منطق يقارع آخرا يعتبر رد الفعل المهدِّد أو المُدين أو المتضامن الصادر عن المرشد علي خامنئي أو قيادات شيعية في العراق أو زعيم حزب الله في لبنان واللائحة تطول، عاديا في زمن باتت قضية أي شيعي في العالم واحدة يقودها الحاكم في طهران.

(المصدر: العرب اللندنية 2016-07-01)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات