الجحيم القادم

اذا صدقت توقعات العلماء وأهل الاختصاص في الجغرافيا وتحولات المناخ ، فإن الانسان أصبح قاب عقدين أو أدنى من الجحيم ، والأرجح أن ما يصدر عن هؤلاء ليس مجرد تنبؤات أو قراءة في الفناجين ، لأنهم علماء أولا وليسوا عرافين وثمة من القرائن يفرض علينا تصديق ما يقولون ، بدءا من حرارة هذا الصيف التي تجاوزت الستين درجة مئوية في بعض الأقطار العربية وليس انتهاء بالجفاف والتهديد المتواصل بالتصحر وتحول الارض التي كانت ذات يوم سوداء من شدة الاخضرار الى أرض يباب،.
فماذا أعد الموعودون بالجحيم لمواجهة ناره وجمره الذي بدأ وهجه القادم من بعيد يلفح جباههم؟ والاجابة ليست منوطة بنا نحن الذين لا حول لنا ولا قوة سوى أن نتبع أجسادنا نحو البرودة كالقطط حتى لو كانت هذه البرودة متسربة من شقوق الأبواب.
ما نحتاج اليه من أهل الاختصاص هو الخروج من العناوين الكبرى ، والحديث بالجملة عن الجحيم القادم.
لأن الناس يتوقف خوفهم عند حرارة الجو ومدى قدرة أجسادهم على تحملها ، أما كل ما سيحدث للحيوانات والنباتات ومناحي الحياة فهو خارج نطاق هذا الخوف ، وان كانت الطبيعة كالقانون لا ترحم من يجهلون تقلباتها واحيانا انتقامها ممن انتهكوها حتى النخاع ، وحين يقال ان نسبة ثاني اكسيد الكربون ارتفعت %27 بسبب زفير المصانع ، فان الفضاء يصبح بعد افساد اكثر من خمسه خانقا وملوثا وتشع فيه نسبة الاكسجين بحيث تصبح الحياة والاحياء في خطر ، والشعوب التي حكم عليها أن تعيش اقتصاديا وسياسيا حياة موسمية ، ولا تملك أية استراتيجية ، محرومة الآن من الوعي اللائق بهذه الاخطار المناخية ، وقدر تعلق الأمر بالعرب فان الخطر مضاعف ، لأن مصادر ومنابع مياههم من خارج الحدود الاقليمية لأقطارهم ، والظمأ يتهدد مستقبلهم مثلما يتهدد الحيوانات والنبات ، فهل سيعودون بعد كل هذه الرفاهية الكاذبة والاستعراضية التي حولتهم الى رهائن للبحث مجددا عن الكلأ والماء في صحارى ناشفة؟.
يكفي ان نتذكر مثالين هما النيل والفرات وما يهددهما من سدود تحول دون وصول ما يكفي لغسل ميت ، او وضوء ، وكان الشاعر الراحل محمد الماغوط قد كتب قصيدة قبل نصف قرن توجه بها الى بردى الذي كان يوما أحد الانهار السبعة التي تسقي غوطة دمشق قائلا له.. بردى أيها الألثغ الصغير ، يا من بددناك على الغرغرة ، ودعاه الماغوط ليقابله في مكتبه القائم على سطح غيمة ، لكنها غيمة تمردت على أمر هارون الرشيد ومضت خارج هذه السماء. ان العرب في حروبهم مع اعدائهم لم يعدوا ما استطاعوا من رباط الخيل أو أي رباط آخر ، بل أعدوا ما استطاعوا من خيام لمن أسموهم لاجئين ونازحين وأخيرا عالقين ، فهل سيعدون لحروب الماء والتصحر والظمأ غير هذا السجال العقيم؟ فلم يعد لديهم إبل يبقرون بطونها كي يشربوا في عز القيظ ، والصحراء لم تعد صحراء بعد كل هذا التدجين العسكري والاستشراق المسلح،.
ان من يقرعون الأجراس منذرين بالظمأ القادم والجحيم ليسوا منجمين لنقول بأنهم كذبوا حتى ولو صدقوا.
( الدستور )