هل ابتلع البحر سفن الإغاثة والتضامن؟

تم نشره الثلاثاء 20 تمّوز / يوليو 2010 04:45 صباحاً
هل ابتلع البحر سفن الإغاثة والتضامن؟
عريب الرنتاوي

وفقاً لدوائر الأرصاد السياسية (وليس الجوية) ، فإن مياه البحرين الأحمر والأبيض ، تبدو هادئة ولطيفة هذه الأيام ، موجُها خفيف إلى متوسط الارتفاع ، وحرارتها ضمن المعدل المعتاد في هذا الموسم من العام ، لا تعكر صفوها أبداً سفن التضامن التي وُعًد بها الغزيون بالعشرات منذ "ملحمة مرمرة" وما رافقها وأعقبها العدوان من ردات فعل دولية غاضبة لم تضع أوزارها بعد ، منددة بجريمة الهجوم على "أسطول الحرية" ومشيدة بالصمود الباسل لطاقم السفينة التركية ، ومثمنة الدعم غير المسبوق ، سياسيا وشعبيا ، رسميا وأهليا ، من تركيا لأبنائها الذين ركبوا البحر في أنبل مهمة سياسية وإنسانية على حد سواء.

بعد الملحمة إيّاها ، فوراً ومن دون إبطاء ، جاءنا المدد اللفظي من عواصم وأقطار شتى: لبنان الرسمي والشعبي والمقاوم ، قطع على نفسه عهدين: الأول بتسيير قافلة نسائية ، تضم متطوعات من طوائفه المختلفة ، في "طوف نوح" جديد ، تتكلله وترعاه السيدة العذراء ويحمل اسمها.. والثاني: بإعادة "حنظلة" إلى موطنه الأصلي على متن السفينة جوليا التي صار اسمها "ناجي العلي" ، على أن تحمل على متنها كتابا ومثقفين وصحفيين وإعلاميين.

وبعد سجال طوائفي حاد ، أدلت فيها الفنانة الموهوبة "فطرياً" هيفاء وهبي بدلوها ، وبعد أخذ ورد بين لبنان وإسرائيل ، وتهديدات وتهديدات مضادة ، لم يتحرك الأسطول من موانئه الرسمية وغير الرسمية ، بل أن مصادر لبنانية نفت أن تكون هناك سفن تحمل هذه الأسماء أو تستعد للقيام بهذه المهمة ، غرق أسطول التضامن اللبناني مع شعب غزة في مياه لبنان الطائفية ، وقبل أن يمخر عباب البحر الأبيض في رحلة التضامن مع فلسطينيي غزة المنكوبين ، عادت مأساة فلسطينيي لبنان للانفجار من جديد ، وباتت الحاجة ماسّة ، اليوم أكثر من أي وقت مضى ، لتسيير أساطيل التضامن وسفن الحرية صوب مخيماتها المنكوبة والمبتلاة بكل أنواع العنصرية والتمييز العنصري.

إيران الطامعة بدور إقليمي امبراطوري ، لم تستطع احتمال كل هذا الحضور التركي الكثيف والطافي في سماء الشرق الأوسط وفضائه وبحوره وبراريه ، فقررت من فورها ، تسيير أسطول من ثلاث سفن وطائرة (لا أدري لماذا الطائرة ، وما الذي يمكن حمله فيها وأين ستهبط ومن أين ستتزود بالوقود) ، بل أن الحماس الإيراني لمهمة إسناد الفلسطينيين بلغ حدا محرجا لحماس ذاتها ، خصوصا عندما طلع علينا الحرس الثوري ببيان وضع في نفسه رهن إشارة المرشد والقائد الأعلى ، الذي إن أمر بتحريك الحرس والأساطيل ، سيستأنف التاريخ جريانه من النقطة التي انتهى إليها في "ذات الصواري" زمن بسر بن أرطأة وعبدالله بن أبي السرح ومعاوية بن أي سفيان ، وثلاثتهم ليسوا على "قوائم المفضلة" لدى الحرس والمرشد كما هو معلوم.

لم يتحرك الحرس ولم نر سفناً ولا طائرات ، فقد تبين لنا مرة أخرى ، أننا أمام "تضامن إذاعات وأثير" مثلما كنا قبل سنوات وعقود أمام "حروب إذاعات وأثير" ، وأن فلسطين للمرة الألف ، تستخدم في حروب الأجندات المصطرعة ، وقتال الديكة المحتربة في هذا الإقليم.

آخر صيحات "التضامن البحري" مغ غزة وأهلها ، تلك التي صدرت عن ليبيا ومؤسسة القذافي العالمية وسيف الإسلام ، وتمثلت في السفينة "أمل" التي خرجت في رحلة كسر الحصار إلى موانئ غزة ، فإذا بها بقدرة قادر تحط في ميناء العريش ، وضمن سيناريو مسرحي معد سلفاً ، وتفترض واحدة من مقتضياته ، أن تظل السفينة أطول فترة ممكنة في طول البحر وعرضه ، من باب التشويق والإثارة واستدراج الاهتمام والأضواء ، وبهدف الإيحاء بأن شيئا "عميقاً" ، وربما أعمق من مياه البحر الأبيض المتوسط ذاتها ، يجري إعداده والتفاوض بشأنه ، مع القاهرة وتل أبيب ، مباشرة وغير مباشرة ، ودائما لصالح الفلسطينيين ، ولصالحهم وحدهم ، حتى وإن كانوا خارج الصورة وآخر من يعلم أو يُستشار ، بل أنه قيل لنا على لسان أعلى "مراجع" السفينة إيّاها ، بأن الصفقة التي رست بموجبها في العريش هي من النوع الذي لم يحلم به الفلسطينيون من قبل ، وليس لها مثيل لجهة رفع الظلم والحصار الجائرين المضروبين حول القطاع.

وبخلاف اسمها ، فقد انتهت السفينة "أمل" إلى إثارة المزيد من موجات اليأس والإحباط وانعدام الأمل بفرص تملك العرب لطاقة الصمود وإرادة المقاومة وحنكة التفاوض ، فقد بدت مسرحية "أمل" من النوع الرديء نصاً وحواراً وسيناريو وإضاءة وإخراج ، وبلا مؤثرات موسيقية وهندسية من أي نوع.

ظننا بعد "مرمرة" أننا سنردد مع الشعر الجاهلي التغلبي ، صاحب المعلّقة التي حملت اسمه ، عمرو بن كلثوم: "ملأنا البر حتى ضاق عنا.. وماء البحر نملؤه سفينا" ، فإذا ببرنا مغلق أمام قوافلنا و"أنصارنا" ، وإذا بالعرب يملأون بحارنا بيخوتهم المذهبة والفارهة ، وليس بسفن "ذات الصواري" ولا حتى بسفن الهلال والصليب الأحمر الدوليين؟،.

الدستور

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات