سفينة الأمل التي ضيعت البوصلة بوعي وإدراك

منذ اللحظة الأولى لانطلاق سفينة الأمل الليبية ، راهنت عددا من الأصدقاء على أنها ستتوجه بعد استعراض محدود إلى ميناء العريش المصري ، وأن كل الكلام "الكبير" عن إصرارها على الوصول إلى ميناء غزة لن يلبث أن يتبخر ، تماما كما تتبخر سائر الجمل الثورية التي تخرج من طرابلس بين الحين والآخر.
لم يكن ذلك ضربا في الودع ، فالنظام الذي غادر مربع "الإرهاب" ليس في وارد العودة إليه ، ولا حتى مناكفة الذين ساعدوه على الخروج منه ، وهو دفع من أجل ذلك ثمنا كبيرا تمثل شقه الأول في مليارات بلا عدد توزعت بين تعويضات وصفقات للدول الكبرى (ساعده في ذلك تنافس تلك القوى على الثروة الهائلة التي تتوفر في ليبيا) ، فيما تمثل الثاني في البعد السياسي وعنوانه الأهم الكفّ عن تقديم الدعم لقوى المقاومة والممانعة ، وعلى نحو خاص حركات المقاومة في الساحة الفلسطينية.
على أن النظام المسكون باللغة الثورية لا زال على حاله من حيث الحنين إليها ، لكن الأمريكان لا يتعاملون معه بمنطق ما يقول ، وإنما بمنطق ما يفعل ، وهم يغضون الطرف عن تصريحاته التي يطلقها هنا وهناك ، من تلك التي تستعيد بعض مضامين أيام الثورية.
ثمة بُعد آخر في السياسة الليبية يتعلق بمصر ، فالنظام يبدو ضعيفا أمام هذه الأخيرة التي ساعدته في مسيرة الخروج من "كهف" الإرهاب ، وكان لافتا أن القاهرة لم تجد حرجا في فضح وجهة السفينة منذ البداية حين قالت إن ثمة اتفاقا على رسوها في ميناء العريش ، الأمر الذي أكده أحد السفراء الليبيين ، مما اضطر قائد الحملة إلى القول إن السفينة لا تمثل الحكومة الليبية ، وإنما مؤسسة القذافي ، لكأن أحدا يمكن أن يأخذ على محمل الجد ذلك التفريق بين الطرفين.
من هنا يمكن القول إن سفينة الأمل الليبية كانت شكلا من أشكال المساهمة في إحباط جهود كسر الحصار من الناحية السياسية ، فالقطاع لم يكن معنيا بالحصول على ما تحمله السفينة من مساعدات بسيطة القيمة ، بقدر عنايته بفكرة كسر الحصار التي صعدت بقوة إثر ما جرى لسفينة مرمرة التركية.
حماس التي تدير القطاع وتزايد لديها الأمل بكسر الحصار من الناحية السياسية لم يكن لديها من خيار غير مجاملة السفينة ومن أرسلوها كجزء من استحقاقات السياسة ، ولذلك ذهب بعض مسؤوليها وعدد من المشتغلين بقضية كسر الحصار إلى القول إن السفينة قد نجحت في توصيل رسالتها ، مع أنها لم تكن كذلك في واقع الحال ، بصرف النظر عن توفر نوايا حسنة لدى بعض من كانوا على متنها من ناشطين لم يكن لهم دور في اتخاذ القرار.
الآن يمكن القول إن السفينة الليبية قد ساهمت في إعادة مشروع كسر الحصار بضع خطوات إلى الوراء ، ما يفرض على المشتغلين بهذا المشروع أن يمنحوه نقلة جديدة ، ولن يتم ذلك إلا من خلال تنسيق الجهود بين الجهات التي لديها مشاريع سفن ، بحيث تتجمع في فترة واحدة لتصنع استعراضا في البحر أمام العالم أجمع لا يتمكن الصهاينة من مواجهته.
ندرك أن الأمر ليس هينا بحال من الأحوال ، وأن الأمريكان والأوروبيين المنحازين للهواجس الإسرائيلية يعملون بكل جهد من أجل عرقلة مشروع السفن تبعا لدلالاته السياسية ، وقد لاحظنا أن سفنا كانت بصدد الإبحار قد توقفت بسبب الضغوط المشددة التي مورست على الدول والجهات المنظمة ، لكن ذلك لا ينبغي أن يفت في عضد الأحرار ، فهي معركة مهمة ، وهي جزء لا يتجزأ من مشروع المقاومة والممانعة الذي ربح الكثير من المعارك خلال الألفية الجديدة ، ويمكنه تحقيق المزيد من الإنجازات خلال المرحلة المقبلة.
الدستور