لماذا هذا الصدى لمقال فيسك!

تم نشره السبت 24 تمّوز / يوليو 2010 03:36 صباحاً
لماذا هذا الصدى لمقال فيسك!
محمد أبو رمان

ليست هنالك مشكلة أن يغطّي صحافي غربي أحداثاً أو قصصاً في دولة أخرى، لكن روبرت فيسك بوزنه العالمي، وبخبرته في الشرق الأوسط تحديداً، وقع في مقاله الأخير في الإندبندنت "لماذا يحتل الفلسطينيون الأردن؟" في قولبة ما يحدث بصورة خاطئة، فيها تضخيم ومبالغة.

فيسك معذور؛ فهو إن كان ملمّاً بأحداث الشرق الأوسط وبتفاصيل بعض الدول، كسورية ولبنان، وبقراءة عميقة للتاريخ العربي المعاصر، إلا أنّه ليس بالضرورة خبيراً بتفاصيل المشهد الأردني ومعادلاته الاجتماعية والسياسية. ليس المجال هنا لمناقشة فقرات المقال، لكن الصورة العامة الإجمالية التي يخرج بها القارئ، وإيحاءات العنوان فيها مصادرة كاملة لفحوى الحراك السياسي الداخلي، وتعميم يصوِّر الشعب الأردني يتربص ببعضه، وكأنّنا نخوض "حرباً أهلية" باردة، وهذه صورة أقل ما يقال إنّ فيها تشويهاً، واختزالاً للمعادلات الحالية سياسياً واجتماعياً التي تتجاوز محاولات وضعها في هذه الثنائية أو في صدام نخب محدودة.

تلك قضية سياسية تدور بين نخب سياسية وإعلامية، بعضهم يطرحها بعقلانية وآخرون بتشنج، ومرتبطة بقراءات متعددة للمشهد ومتغيرات داخلية وخارجية، لكن أغلب الأردنيين (من الأصول الأردنية والفلسطينية والشركسية والشامية وغيرها..)، ليسوا معنيين بهذه السجالات، بل قضيتهم الجوهرية (كباقي خلق الله) هي الوصول إلى الحياة الكريمة وتأمين لقمة الخبز وبدرجة من الرفاه، وحفظ كرامتهم وبناء مستقبل أبنائهم، وبخدمات جيدة من الصحة والتعليم والبنية التحتية، وهذا هو الجوهر الحقيقي للحراك في المجتمع الأردني، ومصدر قلق شرائح واسعة.

هل هنالك محفّزات لصراعات جانبية؟ نعم، لكن الخطأ الأكبر في المقال في عزل ذلك عن السياق الموضوعي. فمن الطبيعي أن يثار بين الحين والآخر سؤال المعادلة الداخلية، حتى في دول متقدمة، كما هي الحال في سؤال الأصول اللاتينية في الولايات المتحدة، وعلاقة ذوي الأصول الأفريقية بالسكان البيض، أو سؤال المذاهب والطوائف المسيحية في دول مثل إسبانيا وهولندا، فهي نزوعات طبيعية واجتماعية موجودة، إنّما السؤال لماذا تصعد في لحظات سياسية معينة وتخبو في مراحل أخرى، ولماذا تحسم في دول وتبقى معلّقة وضبابية في دول أخرى؟ فذلك يعود إلى السياق الموضوعي لكل دولة. ما هو أهم من ذلك أن سؤال العلاقة الداخلية، لدينا، لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن صعود الهويات الفرعية في كل المجالات، على حساب الهوية الوطنية الجامعة، وهي ظاهرة أخطر، وأدت إلى انفجار العنف الاجتماعي في الآونة الأخيرة، وتعكس الفجوة بين التحولات الاقتصادية - الاجتماعية والمسار السياسي، وهي الزاوية الأكثر دقة وعمقاً في قراءة المشهد الداخلي.

الجلبة التي أثارها المقال، خلال الساعات الماضية، لم تكن لتتجاوز اعتباره وجهة نظر غير دقيقة لصحافي مستشرق، لو كان لدينا إعلام حر مهني محمّل بسقف عالٍ، وكُتّاب وإعلاميون كبار يمتلكون مصداقيتهم العربية والخارجية، عند ذلك لن نجلس جميعاً وننتظر ما يكتبه فيسك وغيره، وندور حوله وكأنه اخترع الدولاب!

الغد


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات