تُركيا: فوبيا الإنقلاب

تم نشره الإثنين 25 تمّوز / يوليو 2016 01:11 صباحاً
تُركيا: فوبيا الإنقلاب
كه يلان محمد

تطورات الحدث التركي وما تلاها من ردود الأفعال والتداعيات على المستوى الداخلي والخارجي عقب محاولة الإنقلاب الفاشلة توفر عناصر مهمة لتحفيز المراقبين على متابعة تفاصيل المشهد برمته. ومحاولة ربط الإجراءات التي إتخذتها الحكومة التركية ضد المتهمين بالضلوع في العملية الإنقلابية المُجهضة بمواقف الدول الغربية وإستنكارها لما أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تدشين حملة التطهير في مؤسسات الدولة وتصريحاته حول إمكانية إعادة العمل بقانون عقوبة الإعدام. وذلك كون الدولة التركية طامحة في الدخول إلى الإتحاد الأوروبي. فضلاً عن أهمية دورها على خريطة المنطقة بالنسبة للسياسة الغربية على كل المستويات كما حاولت تركيا أن يكون تأثيرها فعالاً في إعادة رسم خريطة المنطقة عقب تصدع أنظمة الحكم في الدول العربية جراء إنتفاضات الجماهير إذ إستضافت أسطنبول مؤتمر تيارات المعارضة.

كل هذه العوامل مجتمعة تضع تركيا في قلب الإهتمام الإقليمى والدولي كما أن كل تحول في هذا البلد سيكون مرصوداً.لذلك فأنَّ محاولة الإنقلاب الأخيرة قد غدت محور مناقشات على منابر إعلامية لأنها جاءت على خلفية ما تمر به الكتلة الأوروبية من تحولات بعد قرار بريطانيا الإنسحاب من النادي الأوروبي. كما أن ظاهرة الخوف من الأجانب آخذة في التعاظم داخل المُجتمعات الأوروبية لاسيما بعد تضخم عدد اللاجئين ما يؤثر على الشريان الإقتصادي ويولد الرهاب من ضياع الهوية لدى المواطن الأوروبي.

بجانب ذلك كانت هناك مؤشرات قبل الإنقلاب توحي برغبة الرئيس التركي لتغير سياسته الخارجية وذلك قد تمثل في مبادراته لإعادة ترتيب علاقاته مع مجموعة من الدول. على رأسها روسيا الإتحادية التي بتواجدها العسكري في الساحة السورية قد خلفت الشعور بالقلق عند الساسة الأتراك. ما أدى إلى تصاعد حالة التوتر بين الدولتين.لكن غياب الأجندة الواضحة لدى الادراة الأمريكية لحسم الملف السوري قد أقنع الدولة التركية بضرورة ترسيم سياستها بحيثُ تخدم مصالحها في هذه المرحلة التي تتسم بحساسية بالغة نظراً لتداخل المسارات وضبابية الموقف حول الملفات المُعلقة. الأكثر من ذلك فإن ما شهدته تركيا ليلة 15/7/2016 قد كشف عن وجود خلاف عميق بين حزب العدالة والتنمية ورئيس حركة (الخدمة) فتح الله غولن إذ إتهمت السلطات التُركية الأخيرً بأنّه العقل المُدبر لمشروع الإنقلاب وطلبت من الادارة الأمريكية بتسليم الشيخ المقيم في بنسلفانيا. وهذا الطلب قد ورد في تصريحات معظم المسؤولين الأتراك بل إعتبر بعضهم أن عدم إستعداد أمريكا لتلبية هذا الطلب يُسيء إلى العلاقات بين البلدين. ومن ثم فإنَّ الحديث عن وجود كيانات موازية أو دولة عميقة في تركيبة المؤسسات الحكومية والعسكرية يُحملُ المتابع على طرح السؤال حول تماسك تجربة الدولة المدنية بتركيا. هل وصلت ممارسة العمل السياسي إلى مستوى تمتلك فيه مقومات الحفاظ على الديمقراطية الفتية، بالطبع لو نجح الإنقلاب لتقوضت أسس العمل المدني في تركيا لكن وأد تلك العملية لا يعنى عدم وجود المخاطر. والدليل على ذلك هو تصريح الرئيس التركي عن إحتمال تكرار محاولة الإنقلاب.

من المعلوم فإن ما أنقذ تركيا من خطر العودة إلى زمن الإنقلابات والحكم العسكري ليس شعبية الرئيس التركي فحسب صحيح هو قد جاء إلى السلطة عبر صناديق الإقتراع، غير أن مساندة الأحزاب السياسية والقوى المدنية للسلطة المنتخبة تعتبرُ عاملا أساسياً لحماية مدنية الدولة إذ لولا وقوف تلك المكونات السياسية ضد الإنقلاب لفقدت السلطات التركية غطاءها الشرعي أو ربما إنقسم المجتمع التركي على عدة تيارات سياسية بحيث قد تُضاف تركيا إلى صف الدول الفاشلة. الآن بعد إعلان حالة الطوارىء ومواصلة الحملة التطهيرية التي شملت معظم القطاعات لاسيما السلك العسكري والقضائي والتعليم يفرضُ سؤالُ نَفْسه إلى أين تتجه تركيا؟

هل يمكنُ وضع هذه الإجراءات في إطار محاولات دفاعية لحماية القيم الديمقراطية؟ قد حصل الرئيس التركي على تأييد كل الأحزاب السياسية بغض النظر عن خلفياتها الايديولوجية والقومية في منازلته مع الإنقلابيين كما وقف الشعب بجانبه لكن ألا توجد مخاوف لدى الجماهير من أن تتحول قضية الإنقلاب إلى فوبيا متحكمة بمسارات السياسة في تركيا؟ قد نجح الرئيس أردوغان في عكس المعادلة الإنقلابية وإعتقال الرؤوس المشاركة في العملية الإنقلابية الفاشلة بل ما حصل كان بمثابة منح الشرعية من جديد للرئيس التركي لكن هذا الأمر لا يَحولُ دون وجود قلق في الأوساط السياسية حول هذا المنهج الإقصائي بحيث يطال في المستقبل الأصوات المُعارضة ما يُعطل العملية السياسية أو يُفرغها من المعنى والفاعلية لذلك لابُدَّ من التريث قبل وجلاء الموقف قبل الحكم على المسار الذي تتخذه الحالة التُركية هل تكون سائرة على درب الديمقراطية وترسيخ العمل المؤسساتي مما يزيد من قوة ومناعة الدولة التركية أو تتذرع السلطات بنظرية المؤامرة لتضييق الحريات وإنسداد فضاء العمل السياسي.بالطبع فإن ترجيح الكفة لصالح العمل بفرضية المؤامرة ينطوي على تهديدات بتشرذم المجتمع التركي وإستفحال المشاكل الداخلية وذلك يعنى تآكل ما سمي بالنموذج التركي، وعدم بلورة الهوية الوطنية من هنا تأتي مراقبة المجتمع الدولي عن الكثب للحدث التركي. بعد النجاح في إختبار ليلة 15/7 تقف تركيا أمام إختبار جديد قد لا يكون أقل صعوبة من الإختبار الأول لأنَّ تحديد هوية الدولة التركية مرهون بالنجاح بالإمتحان الأخير الذي يتمثل في تعزيز ظاهرة التعددية السياسية ورفع الحظر على وسائل الإعلام الحرة دون ذلك فإن شعبية الرئيس التركي ستتبدد كما لا يقدم صورة مغايرة عن المتسلطين الذين ينفردون بإدراة دفة الحكم ويوظفون شتى الوسائل لتدجين الجماهير. إذن هناك مفترق طرق يفصلُ بين المسارين بالنسبة لتركيا الأول يبقي هذا البلد في طور ديمقراطية ناقصة والثاني يقوده إلى أفق الإنفتاح السياسي الذي يوفر مظلة لمزيد من التطور الإقتصادى والتلاحم الوطني.

(المصدر: القدس العربي 2016-07-25)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات