عندما تفقد «مؤسسة القمة».. مبرر وجودها!

تم نشره الثلاثاء 26 تمّوز / يوليو 2016 12:26 صباحاً
عندما تفقد «مؤسسة القمة».. مبرر وجودها!
محمد خروب

في مناسبة انعقاد القمة العربية «المُؤجَّلة» التي تحمل الرقم «27» في سلسلة «القمم» التي بدأت اوائل ستينيات القرن الماضي واستمرت بصعوبة حتى الان، تحضرني مقولة لافتة للرئيس التانزاني الراحل جوليوس نيريري في دلالاتها وعمق ما تذهب اليه مفادها (بتصرف) « مِن السهل الغاء او هدم او شطب اي مؤسسة محلية او اقليمية او دولية, لكن من الصعب جداً بعثها او إعادة بنائها من جديد».

من يدقق في نتائج «قمة الأمل»(هكذا اصْطُلِحَ على تسميتها) التي تنتهي اليوم في العاصمة الموريتانية نواكشوط, التي «تحتفل» حدود الانتشاء بالحدث غير المسبوق في تاريخها والمتمثل باستضافة قمة عربية طالما نأى العرب بأنفسهم عنها للالتقاء على ارضها, لاسباب تفيض استعلاء وغطرسة (اقرأ عنصرية موصوفة)، يلحظ في غير عناء, ان ما وُصِف بـِ»اعلان نواكشوط» لم يأت بجديد وانطوى على لغة خشبية معروفة جيداً لدى الجماهير العربية, عوضاً عن مصطلحات وعبارات وكلمات «مغسولة» تَغْرِف من اعلانات سابقة, أُحيلت الى ارفف الارشيف وعلاها الغبار والاهمال، إلاّ انها تستعيد حضورها... مؤقتاً، كي يجري اضافة «كمّ» جديد من المشكلات والقضايا والازمات التي تعصف بما كان يُسمى العالم العربي, والذي بات مصطلحاً غير قابل للتداول بعد ان اعتمد الكبار (ووكلائهم في المنطقة العربية) تسميته بـ»الشرق الاوسط وشمال افريقيا».

ما علينا..

أياً كان مستوى التمثيل الذي انتهت اليه قمة نواكشوط، فإن من اللافت في كل ما جرى ويجري من ملابسات وكولسات ومحاولات لإضافة هذه العبارة او شطب تلك، او التلويح ببعض «الفضة» و الدولارات، كي يكسب محور عربي «صوتاً» من دولة عربية مأزومة او معزولة او فقيرة او تتهددها الحروب الاهلية، يكتشف بوضوح حجم «الافتراق» الذي يصل الى حدود العداء بين الدول الاعضاء في الجامعة العربية وشعور «القرف» الذي يستبد ببعض الاعضاء, الذين لا يُخفون تبرّمهم من استمرار هذه العلاقة المُلتبِسة في الاساس مع دول عربية اخرى, لم يعد يجمعهم بها جامع, أقله في ان العداء معها, وصل حدود الاحتراب والتدخل المباشر في شؤونها, ليس فقط بطرق سياسية او حتى ما كان يسمى بـِ»الدبلوماسية الناعمة» كالتنسيق والتبادل الثقافي والاعلامي وغيرها من الاوصاف التي لا ينطبق التنظير عنها مع واقعها السيء, بل اخذت بعداً اكثر خطورة, عبر التدخل العسكري ودعم المعارضات فيها لتحقيق اهداف سياسية واضحة, سواء في إسقاط الأنظمة او توسيع الهوة بين الافرقاء المتقابلين في الخنادق صراعاً على السلطة, أم تأجيجاً للخلافات والفتن الطائفية والمذهبية والاثنية, ودائماً في محاولة البروز كدول اقليمية كبرى, تكتب جدول الاعمال وتتحكم في مسار الاحداث وسيرورتها.

واذ يعرف المُلتَقون في قمة نواكشواط (وما قبلها وما بعدها, اذ ما قُيّض لهذه المؤسسة ان تبقى وتتواصل, رغم مواتها وانعدام فاعليتها وتهافت خطابها وعُقم قراراتها, التي لا تُنفّذ ولا تُحتَرم توقيعات ممثليها على تلك القرارات) أنّ مؤسسة القمة العربية, لم تعد تحظى باهتمام (اقرأ باحترام) الجمهور العربي في الاقطار التي كان يُقال في تضخيم مساحة ارضها (من المحيط الهادر الى الخليج الثائر) وبالتالي فإنهم يذهبون ويعودون بعد أن يكونوا قد التقوا في «مآدب» الغداء والعشاء الفاخرة, أو استُضيفوا في المنتجعات والاماكن السياحية (لسوء حظهم ان موريتانيا الفقيرة بمواردها والصحراوية في اغلبها, بالكاد كادت توفر اجواء مناسبة للقمة, رغم ما تتوفر عليه من عروبة «ناضجة» وعقلانية وحيوية سياسية وحزبية وحركة ثقافية وأدبية عروبية لافتة وباعثة على الاحترام والاعجاب في الآن ذاته) فإنهم لا يلبثوا ان يغتنموا أي فرصة او مناسبة او حدث كي «يتحلّلوا» من التزاماتهم ويتنصلوا من وعودهم ,فيُسقِطوا اولويات القمة ولا يعيرون «أسئلتها» أي اهمية, بل لا يوفرون «اجوبة» او يبدون اهتماماً بحال التدهور والتفكك, التي تزداد وطأة «مباشرة» بعد انتهاء أي قمة.

من يقرأ ــ مجرد قراءة سريعة ولا داعي للتدقيق أو قراءة ما بين السطور, كون تلك السطور هزيلة وباهتة بالكاد تمتلئ بالكلمات المفيدة, ما بالك وجود «شيء» بين سطورها ــ يلحظ ان «عرب اليوم» هم بالفعل نتاج عرب ما قبل «الربيع العربي» بل اكثر سوءاً وتطيّراً من كل الجوامع والمشتركات العربية, وأن اضافة المزيد من المشكلات والازمات التي تفتك بدول , والاخرى المُرشَّحة للانفجار والدخول في دائرة النار والدم والفوضى, لا تعني سوى فشل موصوف, يُؤطِّر مؤسسة القمة ويعجل بوصولها الى عجزها الدائم ونهايتها المُفجِعة, والتي نحسب انها باتت اقرب الى الحدوث, مما يتصور كثيرون او يستبعدون حدوثه.

(الرأي 2016-07-26)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات