أسرى محررون يحاكمون بتهم الاحتلال !!

في سياق الحرب على حركة حماس وقوى المقاومة في الضفة الغربية ثمة ما هو جديد يستحق التوقف. إنه قيام محاكم السلطة بالحكم على عشرات الأسرى المحررين بالسجن لسنوات تتراوح بين ستة أشهر وخمس سنوات.
ما يستوقفنا ليس مبدأ المحاكمة الذي يُستخدم من أجل ذر الرماد في العيون ، والتخلص من تهمة الاعتقال السياسي التي ينكرها القوم ، وربما كي يخرجوا من دائرة الضغط الشعبي المطالب بالإفراج عنهم. ما يستوقفنا هو أن أكثر أولئك الرجال يحاكمون على ذات التهم التي حوكموا من أجلها عند الاحتلال ، وخرجوا من السجون بعد أن أمضوا مدة محكومياتهم.
اللافت في القصة ، بحسب "لجنة الدفاع عن المختطفين في سجون السلطة" ، هو أن قوات الاحتلال قبل انتفاضة الأقصى كانت إذا أصدرت حكما بالسجن ضد أي معتقل كان في سجون السلطة في الضفة الغربية تأخذ في الاعتبار الفترة التي أمضاها في تلك السجون ، وتحسمها من المدة التي يُحكم بها عليه.
هل يعقل هذا ، وأي ضمير هذا الذي يقبل أن تكون سلطات الاحتلال أكثر رأفة منه ، مع العلم أن سائر التهم التي يحكم بها هؤلاء إنما تتعلق بمقاومة الاحتلال ، وسائر الممارسات التي تدخل في هذا السياق ، حيث لا يوجد بين أولئك الرجال من حوكم بتهمة جنائية؟،
نذكر هنا بأن أرقام المعتقلين ليست تلك التي تحدثنا عنها ، أعني الذين حكم عليهم ، وعدهم حوالي 65 معتقلا من بينهم 55 أسيرا محررا ، إذا أنها أكبر من ذلك ، وهي تتغير بشكل دائم ، حيث يخرج الرجال ويدخلون دون توقف ، وبينهم من يغادر سجن جهاز معين ، ليجد نفسه معتقلا عند جهاز آخر.
قلنا وسنظل نقول إن هدف هذه اللعبة ، لعبة الباب الدوار ، كما يسميها البعض ، هي بث الإحباط في صفوف الفلسطينيين ، لاسيما قوى المقاومة ، بحيث لا يفكر أحد في أي عمل حتى لو كان مجرد كلام في انتقاد الأوضاع السائدة ، وقد وصل الحال برجال حماس وقادتها أن يتجنبوا لقاء الناس حتى لا يتسببوا لهم بالشبهة والعنت.
لو كانت القضية متعلقة بقمع خصم سياسي فقط ، لما توقفنا عندها بهذا الشكل بين حين وآخر ، لكنها أكبر من ذلك في واقع الحال ، إذ أنها بداية حملة قمع ضد مجاهدين دفعوا ردحا من أعمارهم في سجون المحتل الذي لا يزال يسرق الأرض ويهدد المقدسات ، أما الأهم من ذلك ، فهو أنها تأتي في سياق سياسي وأمني عنوانه ضرب المقاومة بالتعاون مع الاحتلال ، وتثبيت دعائم "السلام الاقتصادي" كمسار ينذر بتصفية القضية برمتها ، وكل ذلك ضمن مسلسل من بث الإحباط كي لا يجد الناس غير هذا المسار عنوانا للتخلص من المعاناة الأكبر التي يتسبب بها الأشقاء والأعداء في آن.
في هذا السياق تنهض المواقف السياسية للقوى والفصائل المحسوبة على قضية الشعب الفلسطيني ، تحديدا تلك المنضوية في إطار منظمة لتحرير ، والتي لا نسمع لها صوتا في إدانة هذا الذي يجري بأبعاده السياسية والأمنية ، بينما نراها تدبّ الصوت حيال أي إجراء تتخذه حركة حماس تشتم منه رائحة المساس بالحريات العامة ، مع أننا لم نتوقع من تلك الفصائل شيئا بعد أن أصبح قادتها موظفين لدى السلطة وقيادتها ، ولا تسأل بعد ذلك عن حركة فتح التي ذابت عمليا في السلطة والحكومة.
الدستور