وطنيات مشبوهة ضد الامة

قبل العدوان الامريكي على العراق ناقشت مؤسسة راند مجموعة سيناريوهات معززة لهذا "العدوان الوشيك" كان على رأسها الايديولوجيا والهوية بشكل خاص, اما مؤسسة راند لمن لا يعرفها فهي تابعة لوزارة الدفاع الامريكية وتديرها مجموعة يهودية مثل غراهام فولر وبول فيلدمان وتتركز مهامها في بناء المناخات الثقافية والاجتماعية المعززة للسياسات الإمبريالية.
تغيير المناهج في البلدان التابعة, دراسة الاسلام السياسي, المجتمع المدني, الهويات السياسية والثقافية ...الخ.
وتعتبر امتدادا للمؤسسات التي ذكرها كتاب "من يدفع للزمار" لفرانسيس سوندر "اختراق المثقفين والاكاديميين" بأشكال مختلفة مثل مراكز الدراسات الخاصة ومؤسسات البيئة وحقوق الانسان والايام المسرحية ... الخ.
هذا عن مؤسسة راند واهدافها العامة, اما ما قامت به قبيل العدوان الامريكي على العراق فهو وضع سيناريو خاص يقوم على استبدال هوية القومية العربية بهوية اخرى, هي الوطنية العراقية وهو ما كررته ولا تزال في بلدان اخرى ...
وقد سوقت ذلك في البداية تحت شعار التعددية القومية في العراق "عربا واكرادا" وكلفت مثقفين عراقيين من اصول يسارية بذلك ووضعت تحت تصرفهم اموالا ومفاهيم مطبوخة في دوائر الاستخبارات الامريكية واليهودية العالمية مثل "القومجية بدل القومية" واصحاب اللغة الخشبية ... الخ.
ولم تقتصر هذه الحملة على صدام حسين بل امتدت الى عبدالناصر وراح كُتاب وإعلاميون في صحف وفضائيات متنوعة يهاجمون القومية العربية وعبدالناصر بمناسبة وغير مناسبة, وأين ... ليس في منابر ديمقراطية او ليبرالية بل في منابر وصحف وفضائيات تمول بالكامل إما من الاستخبارات الامريكية او قوى من القرون الوسطى ...
ولعل الاخطر من كل هذه الحملة, هو ما حدث بعد العدوان مباشرة حيث سقطت كذبة الوطنية العراقية واتضح انها مجرد غطاء أيديولوجي مدفوع الاجر لتهديم العراق كله وتفكيكه, ومقابل اعتراف الدستور الذي وضعه يهود مؤسسة راند, بالاكراد كقومية تجاهل القومية العربية الكبيرة وتعامل معها كمجموعة من الطوائف "شيعة - سُنة" وراح يُغذي الصراع الطائفي بينها.
ولم يكن العراق هو المستهدف الوحيد في ذلك, فجماعة امريكا واسرائيل في لبنان بعد ان أشبعت الاعلام كلاما عن الوطنية اللبنانية ضد السوريين والفلسطينيين, راحت تتحدث عن لا مركزية الطوائف كما في العراق ...
وقد تكرر الامر كله في كل بلد عربي قامت فيه المخابرات الامريكية واليهودية العالمية بوضع "الوطنية المحلية المشبوهة مقابل الهوية القومية العربية للأمة وكان لافتا للانتباه في كل مرة ان هذه الوطنيات العصابية المريضة لم توجه ضد العدو الخارجي, سواء كان الاحتلال الصهيوني لفلسطين او الامريكي للعراق, بل ضد كتل شعبية في الداخل, كما كان ملاحظا ايضا البعد الطائفي او المذهبي للرؤوس الحامية التي تتنطح لهذه التوجيهات ..
ومن المؤسف ان بنية الدولة القطرية المشوهة ونقص الاندماج المدني الناجم عن التبعية وغياب دولة السوق القومية البرجوازية التاريخية, يخدم الوطنيات المريضة المذكورة اضافة للتجربة المشوهة للخطاب القومي نفسه في اكثر من بلد عربي.
( العرب اليوم )