الأدب الفارسي وضرورات التواصل والمعرفة

شهدت الآداب الفارسية والتركية تهميشا وغيابا كبيرا في الوسط الثقافي العربي منذ بدء تأثير المركزية الغربية، وكانت قبل ذلك تتمتع بحضور وتفاعل كبير مع الآداب والثقافة العربية، ويمثل كتاب الأدب الفارسي لمحمد رضا شفيعي كدكني، وترجمة بسام الربابعة، والذي نشر في سلسلة عالم المعرفة استجابة ضرورية للتعريف بالأدب الفارسي الذي يمثل شريكا كبيرا للأدب العربي، وأدى تغييبه إلى خسارة ثقافية عربية كبيرة، فالتقارب والتجاور التاريخي والثقافي والجغرافي العربي الفارسي أنشأ تراثا كبيرا ومهما لا يجوز إهماله، وسأحاول في هذه المقالة تعريف القراء بمحتويات هذا الكتاب.
تميز العصر الصفوي في القرن السادس عشر باستخدام الأسلوب الهندي، مثل اتباع الأسلوب الواقعي بهدف التقريب بين الشعر والحياة اليومية، وحقق الشعر الفارسي في ظل المدرسة الهندية تقدما فكريا وعرف توجها نحو الإبداع، بما تميز به من سمات تطبع الشعر الهندي مثل الجدة في اللغة الشعرية، والجدة في الصورة الشعرية، والغموض، والتفوق الشكلي للبيت، وربما يكون كل من حافظ الشيرازي، وعبدالرحمان الجامي قد أسسا لهذا الأسلوب الهندي، وظل الأسلوب الهندي مؤثرا إلى أواسط القرن الثامن عشر الميلادي في كل الأقاليم الناطقة باللغة الفارسية.
ويعد "عصر الحركة الدستورية" أدب الحياة والناس. وجرى في أثناء ذلك شأن العالم الإسلامي كله تحول المجتمع الإيراني نحو الأفكار والمفاهيم الغربية، من قبيل الحرية، والقانون، والمساواة، ووضح أيضا بعض انعكاسات هذا التحول على المستوى الأدبي، في هذه المرحلة أصبح الشعر لا يعتمد على الإبداع في مجال الصور الشعرية، كما أنه اقترب من اللهجة المحلية تلبية للحاجات الاجتماعية، وقد تضمن في هذه الفترة عدة أنواع شعرية كلاسيكية وتقليدية، وتميز الشعر الدستوري بالتنوع وبارتباطه بجميع طبقات المجتمع. وبدأت المقالات السياسية والاجتماعية والانتقادية بالانتشار والتأثير.
وبدأت بعد الحرب العالمية الثانية مرحلة الإبداع وبسط التجربة، وانتعش الشعر الفارسي، ويرجع كدكني ذلك إلى التغيرات التي ظهرت في المحيط الاجتماعي للتقدميين ورواد الأدب الإيراني، من بينهم أحمد شاملو واخوان ثالث وفروغ فرخزاد وسهراب سبهري، ونهضت القصة القصيرة في الأدب الفارسي، بريادة محمد علي جمال زادة، وصادق هدايت اللذين يعدان أشهر الأدباء الإيرانيين في القرن العشرين، ثم الجيل التالي، مثل برزك علوي، وجلال آل أحمد، وصادق جوبك، وإبراهيم كلستان، ومحمود اعتماد زادة، وسيمين دانشور، وهوشنك كلشيري.
( الغد )