الأجندة المعلّقة.. أين يجب أن نكون ومن يقف وراء الخلل?
تم نشره الأحد 01st آب / أغسطس 2010 06:17 صباحاً

رنا الصباغ
قد تتفق أو تختلف مع سياسي وطني إشكالي بحجم د. مروان معشر تَحوّل خلال عهد الملك عبد الله الثاني إلى رمز لليبرالية شاملة تتمحور حول إصلاحات تدريجية على المسار الاقتصادي-الاجتماعي بموازاة تطوير الحاكمية, لكن بعيدا عن قمع التعددية أو تكميم الأفواه التي ارتبطت بممارسات غالبية أقرانه "الديجيتاليين".
لكنك لا تستطيع إلا أن تحترم نزاهته الشخصية, مصداقيته المهنية وإيمانه برسالته وحلمه بأردن أفضل مذ كان كاتبا في صحيفة الجوردن تايمز منتصف الثمانينيات مرورا بدخوله معترك الدبلوماسية ثم السياسة وصولا إلى عالم البحث, الكتابة والأكاديمية. من خلال الحديث معه, ستلمس حجم المرارة والتساؤلات: أين نحن الآن ولماذا وصلنا إلى هذا المفترق? تلكم مؤشرات قياس التراجع الذي أصاب غالبية قطاعات الدولة بسبب غياب التخطيط الاستراتيجي المنهجي, المفترض أن تتضمنه أجندة وطنية وضعتها الحكومات على الرف فور صياغتها قبل خمس سنوات.
"مقتل الأجندة كان مشروع قانون الانتخاب" في بعدها السياسي, يستذكر المعشر بألم. لكن "الطخ" على مشروع القانون من دون التحقق من مراميه وأبعاده ومعه غالبية محاور الأجندة التي استهدفت بناء دولة حديثة, تطوير قيم مجتمعية جديدة ونظم مساءلة ومراقبة, سيادة القانون, تغليب مبدأ الكفاءة على أسس عقد اجتماعي جديد وتطوير حياة حزبية وسياسية فاعلة.
وهكذا تضاءلت فرصة ترسيخ تنمية مستدامة, بسبب خوف فئة متنفذة من فقدان مكتسباتها المتراكمة عبر عقود من تدوير السلطة والمال.
وبدلا من اعتماد خريطة الطريق, التي صاغها 450 خبيرا وشخصيات سياسية, حزبية ونيابية برئاسة المعشر, بكليّتها اجتزأت الحكومات المتعاقبة مشاريع منتقاة في إطار تجميلي عشوائي أقرب ما يكون إلى خطط خمسية, من عهد الأنظمة الشمولية النصف الأخير من القرن الماضي.
كان وجه الأردن سيختلف بالتأكيد لو طبقت الأجندة بمحاورها الثمانية كمنهاج عمل مؤسسي متكامل صوب بناء دولة بمعايير الحاكمية الرشيدة تحاكي الرؤيا الملكية الطموحة لضمان أمن الأردن واستقراره.
محور الإصلاح السياسي كان يفترض أن يشكّل نبراسا تسترشد به الحكومات حتى عام .2015 لكنه أفرغ من محتواه, كما انتهى إليه الميثاق الوطني عام 1990 وكل جهد تدريجي منظم بذل خلال العقدين الماضيين لبناء دولة قائمة على أسس بعيدا عن تداخل السلطات وتغوّل الحكومات على سائر أجهزة الدولة أمام هتافات صحافة "تطبّل وتزمّر" على شاكلة إعلام الخمسينيات والستينيات.
محور الإعلام خصص له 18 توصية لفك التشابك المصلحي والمنفعي مع الحكومات ومراكز القوى وصولا إلى بناء إعلام محترف تحت مظلة الدولة.
عطلت الأجندة لأنها تجرأت وطالبت بتغيير قانون الانتخاب تدريجيا إلى صوتين لكل ناخب: للمرشح المفضل - مناطقي, عشائري, حزبي ومستقل يحتلون 90 في المئة من مقاعد المجلس, و10 % تذهب للوائح حزبية على مستوى الوطن. وكان من المفترض زيادة نسبة "لائحة الوطن" تدريجيا مع كل دورة انتخابية بحيث يتعود المواطن على الاقتراع بناء على برامج اقتصادية, اجتماعية, سياسية تحملها التحالفات والأحزاب لمصلحة الحاكم والمحكوم.
لكن مرّة أخرى رحلنا الأزمة. في الأثناء تواصل القوى المتنفذة, التي ما تزال الغالبية داخل مؤسسات الدولة, إجهاض محاولة التغيير, وهي مستعدة للوقوف في وجه كل من يسعى إليه أمام قوى مشرذمة تنادي بالتغيير لأنها تريد ضمان مستقبل أفضل في دولة مؤسسات.
الحكومات أخذت من الأجندة ما يحلو لها وفشلت في التعامل معها كمنظومة متكاملة. اتجهت لتنفيذ بعض مشاريعها المتعلقة بالشق الاقتصادي والاجتماعي لكن من دون تداخل فيما بينها متجاهلة المحور السياسي, قاطرة الحاكمية الرشيدة والدولة الحديثة. فبدلا من مقاربة قانون انتخاب عصري, فاجأتنا الحكومة بقانون مؤقت ركز على الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية وزيادة نسبة مقاعد النساء, مبتعدا عن الجوهر الذي يفضي مجلس نيابي قوي قادر على المساءلة والمراقبة.
اليوم نقطف ثمار التراجع. فها هم الإسلاميون يوصون بالمقاطعة فيما يخطط آخرون لهجرة صناديق الاقتراع, وسط فتور شعبي.
تركيز السلطة لغاية اليوم على مفاصل تجميلية, بحسب د. المعشر, لن "يفضي إلى شيء بعد 50 سنة" طالما استثنت الحكومات سائر مكونات المجتمع من المشاركة في صناعة القرار وصياغة مستقبلها.
المعشر الذي يبدأ يوم الثلاثاء عمله الجديد نائبا لرئيس مؤسسة كارنغي للسلام العالمي لشؤون الشرق الأوسط, ومحاضرا حول مساق الإصلاح في العالم العربي وعملية السلام في ييل, إحدى أعرق عشر جامعات في الولايات المتحدة, قرّر أن يكسر حاجز الصمت.
وهو يحاول الابتعاد عن التنبؤ من وحي الأوضاع الحالية. لكنه يقارن بين ما كنا عليه قبل وبعد ,2005 حين ولدت ثم أعدمت الأجندة الوطنية بعد أن رسمت أولويات الأردن التنموية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لعشر سنوات مقبلة. "قوى الوضع القائم المستفيدة من الامتيازات والمكاسب من الدولة لا تريد التغيير. بدّها البلد يظل يمشي مثل ما كان عليه الأمر قبل 40 سنة. بس الدنيا تغيرت والناس تثقفت وما عاد ذلك مقبولا". وما تزال السلطة تبحث عن حلول سهلة لتطوير الحياة السياسية منذ مجلس ,1989 الأقوى والأكثر فعالية منذ قرار العودة للخيار الديمقراطي.
المعشر يقول إنه يريد أن يحكم على الأمور من خلال النتائج وليس الشعارات بالقياس إلى خمس سنوات مضت. ويتساءل: "هل نستطيع القول إن وضع الأردن في مجال تطوير نظم مساءلة, سيادة القانون والمؤسسات, احترام حقوق الإنسان والتعددية السياسية, تطوير حياة حزبية وسياسية فاعلة أفضل الآن عما كنا عليه قبل سنوات? هل قوّى مجلس النواب المنحل الدولة الأردنية? هل ضمنا سلامة القضاء? هل الثقة بين المواطن والسلطة في تراجع أم تنامٍ? هل الصحافة حرة وقادرة على مراقبة أداء الدولة?
لمن يتخوف من الإصلاح بحجة أنه قفزة إلى المجهول, يجادل المعشر بأن القاطرة يجب أن تتحرك تدريجيا لكن عليها أن تجد نقطة الانطلاق على مسار ثابت. ويقر الصحافي-الدبلوماسي-السياسي-الأكاديمي بأن الأمور لا تسير بين ليلة وضحاها, أقله من ناحية تطوير الحياة السياسية عبر مجلس نيابي قوي وأحزاب فاعلة. لكننا لم نبدأ بعد. فقانون الانتخاب فرض على الناس بعد أن أقر داخل غرف مغلقة من دون التشاور حتى مع بعض أعضاء الفريق الوزاري. "إذا شعر المواطن بأن قوانين مصيرية مثل هذا القانون لم تعرض على الرأي العام فكيف بدّه يثق بالدولة". ويتابع "أنا لا أتكلم عن حكومة معينة بل عن أسلوب العمل الذي لا يتماشى مع أسس بناء دولة حديثة". ثم يتساءل: "هل سيؤثر القانون المؤقت على تطوير الحياة التشريعية?.. نريد تغييرا مؤسسيا وليس مبنيا على الأشخاص.
وحول معايير القياس الأخرى يتساءل المعشر: "هل تحسنت الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن? الأجندة مثلا نادت بتأمين صحي شامل للجميع مع حلول 2011 وموازنة خالية من العجز عام 2016? كان يفترض تحقيق معدل نمو سنوي 7.2 %, خفض الدين العام من 91 % إلى 36 % من الناتج المحلي الإجمالي, تحويل عجز الموازنة العامة (قبل المنح والمساعدات) من 11.8% إلى فائض بنسبة 1.8%, وزيادة المدخرات الوطنية من 13% إلى 27% إلى الناتج المحلي الإجمالي وخفض نسبة البطالة من 12.5% إلى 6.8 % من السكان الناشطين اقتصادياً عبر استحداث 600 ألف فرصة عمل جديدة, وصولا إلى مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
أين نحن من تلك الأهداف?
اليوم, "هناك ضيق صدر لكل من يحاول تقديم جهد أو الإدلاء برأي آخر. ضيق صدر في التعامل مع أصحاب وجهات النظر الأخرى. ففي أحسن الاحوال ننعتهم بالجهل وفي أسوأها نقول عنهم عملاء".
رواد الأجندة اتهموا بالعمالة في حينها, وبأنهم ينفذون رغبة إدارة الرئيس الأمريكي السابق بفرض التغيير والدمقرطة. المعشر يتفق من القائلين بوجوب الإصلاح من الداخل. لكنه يتساءل عن هذه التهمة مع وجود شخصيات وطنية ضمن صفوف لجنة الأجندة مثل طاهر المصري وعبد اللطيف عربيات. و"قيل أيضا هناك محاولات للتغوّل على السلطة. لكن كيف يتم ذلك إذا كانت فكرة الأجندة مجرد إطار مرجعي شمولي طويل الأمد قابل للقياس والتحديث, ولا يتغير بتغير الحكومات"?
في غمرة الاتهامات والتخندق دفاعا عن المكتسبات صنف التقليديون المعشر ضمن جوقة الليبراليين الجدد وَزُجّ به في المعركة على أمل الإطاحة بقبس الأجندة حتى لا يقع التغيير المنشود. وفي معرض توصيف اتجاهاته, يقول المعشر: "أنا ليبرالي بس بالمعنى السياسي للكلمة بمعنى المطالبة بتعددية سياسية ونظم مساءلة ومراقبة, إعلام حر ومستقل, سيادة القانون.. هذه هي الليبرالية التي عندي وأنا فخور بها".
ورفع المعارضون فزّاعة "التوطين" مع أن المقترحات التي تقدمت بها الأجندة ضمن مشروع قانون الانتخاب لم تغيّر الأمر الواقع بل أضافت نسبة ضئيلة للتحالفات السياسية والأحزاب في إطار تطوير تدريجي وصولا إلى بناء مجلس قوي وأحزاب فاعلة. ثم قيل "إننا غير مستعدين أن نتقدم على الطريقة الغربية. لكن هناك معايير عالمية لم تعد محصورة بالشرق أو بالغرب أساسها سيادة القانون, قضاء مستقل, احترام حقوق الإنسان".
ويمضي إلى التساؤل: ماذا فعلت الدول العربية لتطوير مجتمعاتها وبناء الثقة بن الحاكم والشعب. "الأزمات تتعمق ولا نستطيع أن نواصل دفن رأسنا في الرمال ونتجاهل كل ما يجري حولنا في العالم". هذه المنطقة تنفرد بحالة جمود "كأننا نعيش على المريخ". حتى في إفريقيا 36 من 50 دولة في هذه القارة تعتمد أساليب حكم ديمقراطية. ولا يوجد جامعة عربية واحدة من بين أفضل 500 جامعة حول العالم.
من يرد محاربة الفساد يأت بمجلس تشريعي قوي كي لا تتغول الحكومة وتكافح الفساد بطريقة غير منظمة. فبرأي المعشر: "لا تستطيع مكافحة الفساد لكن تستطيع أن تبني أنظمة تحاكي ذلك بسرعة".
يتكلم المعشر الآن ليس لأنه خارج السلطة أو لمجرد الانتقاد, بل لأن "الوضع لم يعد يسمح للناس أن يبقوا ساكتين (بينما تطبطب الحكومات) لكي لا نهز القارب ونحلها بالتراضي".
المعشر ينأى عن إطلاق صفارات إنذار للمستقبل, ويقول أحكموا على الأمور من خلال رؤيتكم للواقع الآن.0
العرب اليوم
لكنك لا تستطيع إلا أن تحترم نزاهته الشخصية, مصداقيته المهنية وإيمانه برسالته وحلمه بأردن أفضل مذ كان كاتبا في صحيفة الجوردن تايمز منتصف الثمانينيات مرورا بدخوله معترك الدبلوماسية ثم السياسة وصولا إلى عالم البحث, الكتابة والأكاديمية. من خلال الحديث معه, ستلمس حجم المرارة والتساؤلات: أين نحن الآن ولماذا وصلنا إلى هذا المفترق? تلكم مؤشرات قياس التراجع الذي أصاب غالبية قطاعات الدولة بسبب غياب التخطيط الاستراتيجي المنهجي, المفترض أن تتضمنه أجندة وطنية وضعتها الحكومات على الرف فور صياغتها قبل خمس سنوات.
"مقتل الأجندة كان مشروع قانون الانتخاب" في بعدها السياسي, يستذكر المعشر بألم. لكن "الطخ" على مشروع القانون من دون التحقق من مراميه وأبعاده ومعه غالبية محاور الأجندة التي استهدفت بناء دولة حديثة, تطوير قيم مجتمعية جديدة ونظم مساءلة ومراقبة, سيادة القانون, تغليب مبدأ الكفاءة على أسس عقد اجتماعي جديد وتطوير حياة حزبية وسياسية فاعلة.
وهكذا تضاءلت فرصة ترسيخ تنمية مستدامة, بسبب خوف فئة متنفذة من فقدان مكتسباتها المتراكمة عبر عقود من تدوير السلطة والمال.
وبدلا من اعتماد خريطة الطريق, التي صاغها 450 خبيرا وشخصيات سياسية, حزبية ونيابية برئاسة المعشر, بكليّتها اجتزأت الحكومات المتعاقبة مشاريع منتقاة في إطار تجميلي عشوائي أقرب ما يكون إلى خطط خمسية, من عهد الأنظمة الشمولية النصف الأخير من القرن الماضي.
كان وجه الأردن سيختلف بالتأكيد لو طبقت الأجندة بمحاورها الثمانية كمنهاج عمل مؤسسي متكامل صوب بناء دولة بمعايير الحاكمية الرشيدة تحاكي الرؤيا الملكية الطموحة لضمان أمن الأردن واستقراره.
محور الإصلاح السياسي كان يفترض أن يشكّل نبراسا تسترشد به الحكومات حتى عام .2015 لكنه أفرغ من محتواه, كما انتهى إليه الميثاق الوطني عام 1990 وكل جهد تدريجي منظم بذل خلال العقدين الماضيين لبناء دولة قائمة على أسس بعيدا عن تداخل السلطات وتغوّل الحكومات على سائر أجهزة الدولة أمام هتافات صحافة "تطبّل وتزمّر" على شاكلة إعلام الخمسينيات والستينيات.
محور الإعلام خصص له 18 توصية لفك التشابك المصلحي والمنفعي مع الحكومات ومراكز القوى وصولا إلى بناء إعلام محترف تحت مظلة الدولة.
عطلت الأجندة لأنها تجرأت وطالبت بتغيير قانون الانتخاب تدريجيا إلى صوتين لكل ناخب: للمرشح المفضل - مناطقي, عشائري, حزبي ومستقل يحتلون 90 في المئة من مقاعد المجلس, و10 % تذهب للوائح حزبية على مستوى الوطن. وكان من المفترض زيادة نسبة "لائحة الوطن" تدريجيا مع كل دورة انتخابية بحيث يتعود المواطن على الاقتراع بناء على برامج اقتصادية, اجتماعية, سياسية تحملها التحالفات والأحزاب لمصلحة الحاكم والمحكوم.
لكن مرّة أخرى رحلنا الأزمة. في الأثناء تواصل القوى المتنفذة, التي ما تزال الغالبية داخل مؤسسات الدولة, إجهاض محاولة التغيير, وهي مستعدة للوقوف في وجه كل من يسعى إليه أمام قوى مشرذمة تنادي بالتغيير لأنها تريد ضمان مستقبل أفضل في دولة مؤسسات.
الحكومات أخذت من الأجندة ما يحلو لها وفشلت في التعامل معها كمنظومة متكاملة. اتجهت لتنفيذ بعض مشاريعها المتعلقة بالشق الاقتصادي والاجتماعي لكن من دون تداخل فيما بينها متجاهلة المحور السياسي, قاطرة الحاكمية الرشيدة والدولة الحديثة. فبدلا من مقاربة قانون انتخاب عصري, فاجأتنا الحكومة بقانون مؤقت ركز على الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية وزيادة نسبة مقاعد النساء, مبتعدا عن الجوهر الذي يفضي مجلس نيابي قوي قادر على المساءلة والمراقبة.
اليوم نقطف ثمار التراجع. فها هم الإسلاميون يوصون بالمقاطعة فيما يخطط آخرون لهجرة صناديق الاقتراع, وسط فتور شعبي.
تركيز السلطة لغاية اليوم على مفاصل تجميلية, بحسب د. المعشر, لن "يفضي إلى شيء بعد 50 سنة" طالما استثنت الحكومات سائر مكونات المجتمع من المشاركة في صناعة القرار وصياغة مستقبلها.
المعشر الذي يبدأ يوم الثلاثاء عمله الجديد نائبا لرئيس مؤسسة كارنغي للسلام العالمي لشؤون الشرق الأوسط, ومحاضرا حول مساق الإصلاح في العالم العربي وعملية السلام في ييل, إحدى أعرق عشر جامعات في الولايات المتحدة, قرّر أن يكسر حاجز الصمت.
وهو يحاول الابتعاد عن التنبؤ من وحي الأوضاع الحالية. لكنه يقارن بين ما كنا عليه قبل وبعد ,2005 حين ولدت ثم أعدمت الأجندة الوطنية بعد أن رسمت أولويات الأردن التنموية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لعشر سنوات مقبلة. "قوى الوضع القائم المستفيدة من الامتيازات والمكاسب من الدولة لا تريد التغيير. بدّها البلد يظل يمشي مثل ما كان عليه الأمر قبل 40 سنة. بس الدنيا تغيرت والناس تثقفت وما عاد ذلك مقبولا". وما تزال السلطة تبحث عن حلول سهلة لتطوير الحياة السياسية منذ مجلس ,1989 الأقوى والأكثر فعالية منذ قرار العودة للخيار الديمقراطي.
المعشر يقول إنه يريد أن يحكم على الأمور من خلال النتائج وليس الشعارات بالقياس إلى خمس سنوات مضت. ويتساءل: "هل نستطيع القول إن وضع الأردن في مجال تطوير نظم مساءلة, سيادة القانون والمؤسسات, احترام حقوق الإنسان والتعددية السياسية, تطوير حياة حزبية وسياسية فاعلة أفضل الآن عما كنا عليه قبل سنوات? هل قوّى مجلس النواب المنحل الدولة الأردنية? هل ضمنا سلامة القضاء? هل الثقة بين المواطن والسلطة في تراجع أم تنامٍ? هل الصحافة حرة وقادرة على مراقبة أداء الدولة?
لمن يتخوف من الإصلاح بحجة أنه قفزة إلى المجهول, يجادل المعشر بأن القاطرة يجب أن تتحرك تدريجيا لكن عليها أن تجد نقطة الانطلاق على مسار ثابت. ويقر الصحافي-الدبلوماسي-السياسي-الأكاديمي بأن الأمور لا تسير بين ليلة وضحاها, أقله من ناحية تطوير الحياة السياسية عبر مجلس نيابي قوي وأحزاب فاعلة. لكننا لم نبدأ بعد. فقانون الانتخاب فرض على الناس بعد أن أقر داخل غرف مغلقة من دون التشاور حتى مع بعض أعضاء الفريق الوزاري. "إذا شعر المواطن بأن قوانين مصيرية مثل هذا القانون لم تعرض على الرأي العام فكيف بدّه يثق بالدولة". ويتابع "أنا لا أتكلم عن حكومة معينة بل عن أسلوب العمل الذي لا يتماشى مع أسس بناء دولة حديثة". ثم يتساءل: "هل سيؤثر القانون المؤقت على تطوير الحياة التشريعية?.. نريد تغييرا مؤسسيا وليس مبنيا على الأشخاص.
وحول معايير القياس الأخرى يتساءل المعشر: "هل تحسنت الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن? الأجندة مثلا نادت بتأمين صحي شامل للجميع مع حلول 2011 وموازنة خالية من العجز عام 2016? كان يفترض تحقيق معدل نمو سنوي 7.2 %, خفض الدين العام من 91 % إلى 36 % من الناتج المحلي الإجمالي, تحويل عجز الموازنة العامة (قبل المنح والمساعدات) من 11.8% إلى فائض بنسبة 1.8%, وزيادة المدخرات الوطنية من 13% إلى 27% إلى الناتج المحلي الإجمالي وخفض نسبة البطالة من 12.5% إلى 6.8 % من السكان الناشطين اقتصادياً عبر استحداث 600 ألف فرصة عمل جديدة, وصولا إلى مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
أين نحن من تلك الأهداف?
اليوم, "هناك ضيق صدر لكل من يحاول تقديم جهد أو الإدلاء برأي آخر. ضيق صدر في التعامل مع أصحاب وجهات النظر الأخرى. ففي أحسن الاحوال ننعتهم بالجهل وفي أسوأها نقول عنهم عملاء".
رواد الأجندة اتهموا بالعمالة في حينها, وبأنهم ينفذون رغبة إدارة الرئيس الأمريكي السابق بفرض التغيير والدمقرطة. المعشر يتفق من القائلين بوجوب الإصلاح من الداخل. لكنه يتساءل عن هذه التهمة مع وجود شخصيات وطنية ضمن صفوف لجنة الأجندة مثل طاهر المصري وعبد اللطيف عربيات. و"قيل أيضا هناك محاولات للتغوّل على السلطة. لكن كيف يتم ذلك إذا كانت فكرة الأجندة مجرد إطار مرجعي شمولي طويل الأمد قابل للقياس والتحديث, ولا يتغير بتغير الحكومات"?
في غمرة الاتهامات والتخندق دفاعا عن المكتسبات صنف التقليديون المعشر ضمن جوقة الليبراليين الجدد وَزُجّ به في المعركة على أمل الإطاحة بقبس الأجندة حتى لا يقع التغيير المنشود. وفي معرض توصيف اتجاهاته, يقول المعشر: "أنا ليبرالي بس بالمعنى السياسي للكلمة بمعنى المطالبة بتعددية سياسية ونظم مساءلة ومراقبة, إعلام حر ومستقل, سيادة القانون.. هذه هي الليبرالية التي عندي وأنا فخور بها".
ورفع المعارضون فزّاعة "التوطين" مع أن المقترحات التي تقدمت بها الأجندة ضمن مشروع قانون الانتخاب لم تغيّر الأمر الواقع بل أضافت نسبة ضئيلة للتحالفات السياسية والأحزاب في إطار تطوير تدريجي وصولا إلى بناء مجلس قوي وأحزاب فاعلة. ثم قيل "إننا غير مستعدين أن نتقدم على الطريقة الغربية. لكن هناك معايير عالمية لم تعد محصورة بالشرق أو بالغرب أساسها سيادة القانون, قضاء مستقل, احترام حقوق الإنسان".
ويمضي إلى التساؤل: ماذا فعلت الدول العربية لتطوير مجتمعاتها وبناء الثقة بن الحاكم والشعب. "الأزمات تتعمق ولا نستطيع أن نواصل دفن رأسنا في الرمال ونتجاهل كل ما يجري حولنا في العالم". هذه المنطقة تنفرد بحالة جمود "كأننا نعيش على المريخ". حتى في إفريقيا 36 من 50 دولة في هذه القارة تعتمد أساليب حكم ديمقراطية. ولا يوجد جامعة عربية واحدة من بين أفضل 500 جامعة حول العالم.
من يرد محاربة الفساد يأت بمجلس تشريعي قوي كي لا تتغول الحكومة وتكافح الفساد بطريقة غير منظمة. فبرأي المعشر: "لا تستطيع مكافحة الفساد لكن تستطيع أن تبني أنظمة تحاكي ذلك بسرعة".
يتكلم المعشر الآن ليس لأنه خارج السلطة أو لمجرد الانتقاد, بل لأن "الوضع لم يعد يسمح للناس أن يبقوا ساكتين (بينما تطبطب الحكومات) لكي لا نهز القارب ونحلها بالتراضي".
المعشر ينأى عن إطلاق صفارات إنذار للمستقبل, ويقول أحكموا على الأمور من خلال رؤيتكم للواقع الآن.0
العرب اليوم