كوكب غير صالح للاقامة!

في ستينيات القرن الماضي كتب شاعر روسي بعد ان بلغ ضجره الذروة من الاقامة في هذا الكوكب مطالبا القبطان بالتوقف كي يترجل ويذهب الى كوكب اخر ، لكن حلم الشعراء ليس كحلم العلماء ، لهذا لم يحقق رائد الفضاء غاغارين حلم شاعرنا ، واذا قورنت ايامنا هذه بتلك الفترة سنجد ان الدنيا كانت بالف خير ولو على صعيد نسبي ، فسكان الكوكب كانوا اقل عددا وانتهاك البيئة وتلويث المناخ كان اقل ايضا ولا نقول ذلك تبعا لتصنيف هزيود الشهير للازمنة ، بحيث تتوزع كالفصول الى اربعة.. زمن ذهبي واخر فضي وثالث نحاسي ورابع قصديري ، بحيث نتوهم ان الماضي فردوس مفقود ، او يوتوبيا محررة من شوائب الفقر والجهل والكراهية ، لكن ما جرى في ايامنا والعقود الخمسة العجاف التي عشناها يعادل بكل المعايير اضعاف ما جرى في قرون ، فالشرور اندلعت من كل الصناديق وليس من صندوق باندورا فقط والموت اصبح مجانيا بحيث يتفوق عدد ضحايا السير على عدد ضحايا الاوبئة والحروب ولم يعد الكوكب الذي عاش فيه اسلافنا الوف السنين صالحا للاقامة.
ان الارقام الكارثية التي تنشر عن احوال هذا الكوكب تثير الهلع فينا ، ما دام القادم هو الاسوأ ، وثمة من العلماء من يقرعون الاجراس منذرين البشرية بزوال وشيك سواء تعلق الامر بالطبيعة وكوارثها او الحروب النووية ، ولا اظن ان بمقدور احد منا ان يطلب من القبطان ان يتوقف كي يترجل مثلما فعل الشاعر الروسي الغاضب فهذه الارض هي قدرنا سواء على سطحها او في باطنها وما من سبيل للقرار.
وحين تصطلي جباهنا بهذا الجحيم الذي لم نعرفه من قبل يذهب بنا الخيال الى ما هو ابعد وهو مصائر الاجيال القادمة التي سترث منا كل هذه الحمولة من الشقاء فالفصول تبدلت ، وما كان يتصوره امبراطور طاغية مثل اوغسطس فصلا خامسا تختلط فيه الظهيرات القائظة مع الليالي البيضاء من الثلج ، تحول الى واقع وعندنا نفى هذا الامبراطور الشاعر اوفيد لانه تكلم من فن الهوى لم يجد له منفى اقسى من هذا الفصل الخامس.
انه تحالف بالغ القسوة بين التاريخ والجغرافيا لان البشر اساؤوا التعامل مع هذين الابوين ، فقضموا الاثداء التي ارضعتهم وقتلوا الاباء ، ويبدو ان هناك توأمة بين نظامين جديدين للعالم احدهما سياسي يعولم الفاقة والشقاء والاوبئة والاخر جغرافي ، تندفع فيه درجات الحرارة بجنون ، مثلما يندفع الصقيع فيه بثأرية وانتقام ، فالانسان اعتدى وافترى على الحضن الذي تربى فيه وبصق في البئر التي طالما اطفأت ظمأه ، لهذا فهو الان يدفع الثمن او بمعنى ادق يسدد مديونية عمرها قرون.
لقد نفي شاعر فن الهوى الى هذا الفصل الجحيمي لانه احب ، لكن اهل هذا الوقت منفيون بسبب الكراهية على اختلاف مستوياتها،،.
الدستور