القرار الآن..

قبل مغادرة مكتبه بساعة واحدة، وفق ما نقل إلينا، قام وزير التربية السابق، د. إبراهيم بدران بتوقيع قرارات نقل "تأديبي" لعدد من المعلمين، والطريف أن هذه الوجبة شملت مجموعة المعلمين المصنّفة في خانة الاعتدال والمتهمة من الفئات الأكثر تشددا بالتواطؤ والتماشي مع الحكومة، لأنها كانت ضدّ التصعيد والإضرابات، ومع القبول بحلّ وسط وإنشاء اتحاد للمعلمين بدلا من النقابة.
هذا سلوك مدهش من الوزير المحسوب على الوسط الأكاديمي والبحثي المثقف والليبرالي، إذ يقوم بـ"ضربة مقفي" ثأرية، وهو يغادر، فأي رسالة يتضمنها مثل هذا الموقف بحق المعلمين الذين قادوا جهود التوافق والتفاهم بين المعلمين والحكومة. وحتّى لو ان القرار تمّ التنسيب به للوزير، فما كان له أن يوافق بأن يكون هذا آخر عمل يقوم به وهو يترك الوزارة.
ليس هناك معنى لتغيير وزير التربية اذا لم تتمّ مراجعة القرارات التي اتخذت بحق بعض المعلمين الذين رفضوا تنفيذ قرارات النقل التأديبي. وبحسب ما قال لي الأستاذ شرف أبو رمّان رئيس لجنة المبادرة الأولى التي قادت التحرك في عمّان، من دون أن تنزلق إلى أي أعمال تصعيد أو إضرابات، فقد تم نقله بوظيفة كاتب الى إحدى المديريات، فالقرار لم يكن عقابيا فقط، بل كان ثأريا بصورة لا يمكن قبولها، وهو يرفض الالتحاق بالدوام الجديد، لكن المهلة تنتهي هذا اليوم الخميس، وإلا يعتبر فاقدا لوظيفته، وكذا الحال مع زملائه الآخرين، وقد وعد وزير التربية الجديد د.خالد الكركي بالنظر في الأمر، لكن الوقت ينفد والوزير الجديد الذي تفاءل المعلمون بمجيئه أمام امتحان حاسم لا مجال للمداورة فيه.
الوزير الكركي سبق وأن وعد بطرح قضية المعلمين على مجلس الوزراء، لكن شيئا لم يحدث حتّى الآن، ولعل بعض أوساط القرار ترى في التراجع عن القرارات مهما كانت، مسّا بهيبة الحكومة ويفتح سابقة تشجع على انتشار حركات احتجاجية وعصيان خارجة عن السيطرة، لكن وجهة النظر هذه ليست على الدوام صحيحة، ومنطق المكابرة بالغلط لا يعزز هيبة الدولة. وتغيير وزير التربية هو اعتراف ضمني بخطأ إدارة الأزمة، وتستعيد الحكومة رصيدها كاملا بالمضي قدما في إعادة النظر في قرارات يجمع الرأي العام على معارضتها.
تحرك المعلمين كان مهنيا بحتا ومسؤولا، وتحول إلى حركة احتجاج غاضبة بسبب تصريحات الوزير، ولعل بعض القيادات المسيّسة في وسط المعلمين نحت نحو التشدد والتحدّي، لكن مبادرة جلالة الملك الكريمة وتجاوب الحكومة مع مشروع الاتحاد، عزل المواقف المتشددة، ثم جاءت القرارات "الانتقامية" فقلبت الأمور رأسا على عقب، وبالإصرار عليها تكون المحصلة النهائية لأزمة المعلمين سلبية!
البصمة الأخيرة على الأزمة التي تمسح كل الإيجابيات المتحققة لجهة معالجة القضايا المعيشية للمعلمين هي الإجراءات التي لم يقتنع أحد بأنها روتين حكومي، بل عمل مبيت بحق نشطاء التحرك المطلبي.