آخر البدع

"معاريف" الاسرائيلية ، تقتحم الجيش اللبناني ، لتصنف ضباطه طائفيا ، ولتقول ان الاشتباك الذي نجم عن عدوانها على الجنوب امس ، لا يمثل عداء مع الجيش وانما عن قائد الجنوب لانه من الطائفة الشيعية.
ومحلل سياسي اسرائيلي عادي يدعى ايلي نيسان ، يخرج الى الاعلام (وتحديدا على تلفزيون روسيا اليوم) ليتحدث عن موعد ومضمون التقرير الظني الذي ستصدره المحكمة الدولية في قضية الرئيس الحريري ، وكأنه المشرف العام على المحكمة ، او كأنه كاتب التقرير. ومن ثم يشن هجومه على السيد حسن نصرالله ليقول بان السيد لا يعرف شيئا عن العالم لانه لم يخرج من مخبئه منذ عام ,2006
واذا كان هذا البند الاخير يبدو في البدء مثيرا للسخرية لان الجميع يتابع تحركات السيد اليومية واتصالاته المكثفة ، ولم ينس احد زيارته لسوريا ، للقاء كرسه سياسيا في موضع القمة المعترف بها ، فان التدقيق الاعمق ، ينبه الى ان هذا الادعاء يصب في قائمة الحرب النفسية ، التي يلجا اليها العدو ، في العادة ، عندما يكون على ابواب حرب.
اما نبرة الكراهية الهستيرية ، التي اعتاد محللو الصهاينة تمويهها ، فانها نتيجة طبيعية للرد غير المسبوق الذي وجهه الجيش اللبناني امس ، والضربة غير المسبوقة التي تمثلت في تساوي عدد القتلى والجرحى لدى الطرفين ، بل وخسارة اسرائيل لضابط ذي رتبة عالية من ضباطها.
غير ان الاهم في هذه الاجواء التي يرسمها العدو هو تناول غير مسبوق ايضا ، يصنف ضباط الجيش اللبناني بحسب طوائفهم. وهذا امر بالغ الخطورة لانه يؤشر الى طبيعة الخطة التفجيرية التي يعتمدها العدو ومن وراءه: خطة التفجير المذهبي. فكلنا يذكر ما راهنت عليه اسرائيل خلال الحرب الاهلية اللبنانية على شرخ اسلامي مسيحي عام في صفوف الجيش ، كانت غنيمتها عبره ، انطوان لحد وجماعته من ميليشيات اطلقت على نفسها جيش لبنان الجنوبي واذت الجنوب اكثر من اسرائيل ، لينتهي افرادها مشردين ولينتهي القائد الجنرال الخائن ، صاحب بار صغير يقدم فيه الكحول والطعام بيده للزبائن في تل ابيب ، ويصرخ في وجه صحفي فرنسي جاء ليجري تحقيقا عنه وعن جماعته ، وطرح عليه سؤالا عما اذا كان قد قابل شارون: طلبت منه موعدا لعدة مرات ولم يعطني. ليمض الى الجحيم ، لم اعد اريد رؤية احد.
اليوم انتقلت اسرائيل الى المراهنة على شرخ اخر ، سني - شيعي ، اشد خطورة بكثير ، لان الشرخ الطائفي اللبناني لم يكن يوما مؤهلا للامتداد خارج الحدود اللبنانية ، في حين ان الشرخ المذهبي قادر على اشعال العالم الاسلامي (وليس العربي فحسب) من اقصاه الى اقصاه. ولعل هذا ما جعل الزعماء العرب وغير العرب يتحركون بحماس لمنع اندلاع النار.
غير ان تحركهم قد لا يكون قادرا على منع الكارثة ، لان اسرائيل قد قررتها ، ولان الولايات المتحدة قد التحقت اخيرا بالارادة الاسرائيلية. ففي عام 2006 قاتلت اسرائيل بقرار اميركي ، لكنها في هذه المرة ستقاتل بقرار اسرائيلي تدعمه واشنطن لوجستيا وديبلوماسيا.
وها هو الدعم يبدو واضحا في التعليقات الدولية على عدوان يوم الاحد ، اذ يبدو واضحا كالشمس ان اسرائيل هي المعتدية ، تخرج الاصوات الاميركية والدولية مطالبة بـ"ضبط النفس" ولا يحتاج الامر الى كلام لنسأل عما كان سيقوله هؤلاء لو ان لبنان او مقاومته كان المعتدي.
الغريب في تصريحات المسؤولين الاسرائيليين هو الرد على ان الشجرة التي حصل بسببها الاشتباك هي في الاراضي اللبنانية او على الاقل في المنطقة المحايدة ، بالقول ان اسرائيل قد رسمت الحدود بطريقة اخرى وبالاتفاق مع القوات الدولية. فهل تحولت القوات الدولية الى بلفور جديد؟ ام انها خطة استيطان جديدة اخرى لا تكتفي بالتوسع في فلسطين؟.
المؤشر الاخر الخطير ، وذو الدلالة في استشراف الحرب القادمة هو مطالبة وكيل وزراة الخارجية الاميركية بتفتيش المواقع العسكرية السورية ، بحجة استكمال التفتيش على المنشآت النووية السرية ، ومن المعروف ان هذا التعبير "السرية" يسمح للمفتشين بدخول اي موقع يختارونه. فعمَّ سيفتشون ونحن على ابواب الحرب؟.
غير ان الاخطر من ذلك كله ، هو اولئك اللبنانيون الذين تحولوا الى يهود داخل اشد خطرا من يهود الخارج ، وهم جاهزون لتقديم الدعم والتبريرات لاسرائيل ، اذا افتقرت اليهما ، غير عابئين بمستقبل الوطن لانهم سكرى بهاجس وحيد: التخلص من حزب الله ، اما كراهية ، واما تنفيذا لارتباطات لم يعد لهم فكاك منها ، واما لان اتجاه امور التحقيق وكشف العملاء والمتورطين في قتل الحريري وفي جرائم اخرى ستكشف تورطهم تحت ستار اللعللعة بالسيادة والبحث عن الحقيقة. فهل ستركون انفسهم للفضيحة ولمصير الانكشاف والادانة والسجن؟.
الدستور