بواد غير ذي زرع

تم نشره السبت 07 آب / أغسطس 2010 04:08 صباحاً
بواد غير ذي زرع
ياسر ابوهلالة

في مناسك "العمرة" فرصة لتهذيب الذات ووضعها في حجمها الطبيعي ومداواة عللها. ما أنت إلا نقطة في بحر جماهير طافت وسعت في ذات المكان منذ آلاف السنين. تختار مدارك حول الكعبة المشرفة مثل ملايين الأفلاك السابحة المسبحة لربها. وصف إبراهيم عليه السلام المكان الذي بنى فيه الكعبة "بواد غير ذي زرع"، ومع ذلك ظل على مدار التاريخ مهوى الأفئدة والأرواح التي تهجر الخضراء وتثيب إلى هجير الصحراء، وكأنه كير ينقي أنفسها من الخبث.

بواد غير ذي زرع لا شيء غير الصخور الصلبة سواء في بناء الكعبة أم في جبلي الصفا والمروة، ومن تلك الصخور تفجر ماء زمزم ليروي هاجر وابنها إسماعيل اللذين تركهما إبراهيم "بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم". والتحريم هنا ليس للحجر الذي هدم وبني غير مرة بحسب احتياجات الإنسان، وإنما للحياة. حتى في أبسط صورها؛ فالصيد محرم. والدم لا يراق إلا لإنقاذ الحياة، كما في فداء إسماعيل. وقد افتخر النبي عليه السلام أنه ابن الذبيحين. خاطب الكعبة بقوله إنك عند الله عظيمة ولكن زوال السموات والأرض أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم.

يتفجر الصخر حياة ليس بالماء وحده، بل بالأحياء الطائفين والساعين، فيغدو ذا زرع. تتجسد فيه قيمة الحياة "حرما آمنا"، وغاية الحياة البشرية أن تكون كذلك. ولا تكون آمنة إلا بالمساواة. في الحرم تتجسد تلك القيمة. إحرام يساوي الكفن الذي يذهب معك للقبر، ولا تتقدم ولا تتأخر إلا بقربك من صاحب البيت والكل عليه ضيوف. لا فرق بين رجل وامرأة ولا صغير ولا كبير ولا غني ولا فقير ولا أبيض ولا أسود. أنه المشهد الذي هز مالكوم إكس، داعية حقوق السود الشهير، فكتب لصديقه عن رحلة الحج "إنك لا تصدق أنني أتناول الطعام مع رجل أبيض".

تبدأ المساواة ويتحقق العدل عندما تدرك أنك لست أعلى شأنا من الأسود، فستار البيت أسود ولباس الإحرام أبيض، والحياة ألوان لا تنتهي. ونزع الشعور بالتفاخر، لونا وجنسا وقوما ودرجة وطبقة، يحتاج إلى رياضات روحية شاقة كالعمرة والحج والصيام وغيرها. ولا تضبط حياة البشر بالقوانين والأنظمة بقدر ما تستقيم بالتربية والتهذيب، والحافز والجاذبية يتقدمان على الردع والعقاب.

في المرة الأولى التي زرت فيها البيت الحرام، عام 1974، كنت في الخامسة. في عيون الطفل علقت مشاهد المساواة تلك. اصطحبنا الوالد في رحلة الحج، سكنا في خيمة في منى. والحياة البسيطة في الخيام تجعلك تعيش لأيام حياة اللاجئين والمشردين، جيراننا كانوا أتراكا يعيشون في خيام أيضا. وفي السعي تسمع كل اللغات وإن كان اللسان العربي يوحدها. تدرك أن في الحياة قيمة أعلى من المادة وأن الملايين هذه جاءت من كل فج عميق سعيا وراء ما وراء ما يلمسون ويشاهدون.

أسبوع غبت فيه عن معتاد الحياة، وشاركت آخرين في حياة أخرى. آملا أن يجعلني ذلك أقرب إلى"الجماهير" التي غبت عنها، ولم تتظاهر احتجاجا!

( الغد )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات