وآخرون بقوا ولم يفروا

تم نشره الإثنين 26 أيلول / سبتمبر 2016 09:07 مساءً
وآخرون بقوا ولم يفروا
محمد منتصر

ما أصعب أن تحبس أنفاسك على وقع قصف، تريد بعدها أن تتبين ما بقي من أنفاس الناس حياً لتشد من أزره وتساعده ليعود للحياة - على ألمها - من جديد، تتساءل: كيف لكوابيس الجحيم أن تأتينا وأعيننا مفتوحة وفي وسط النهار، لا يمكن للإنسان أن ينام بأعين مفتوحة، لكن العرب، لا أستثني أحداً، هم تلك الأمة الوحيدة التي تستطيع النوم بأعين مفتوحة، ترى ولا تدرك، وتدرك ولا تتحرك، وإن تحركت تثاقلت حركة قدميها السمينتين التي تحمل أعباء وملهيات سخيفة

لكن الذين رأوا الدمار والقصف عن قرب جافى النوم أعينهم، لأنهم ينتظرون في تساؤل متى يعود القصف التالي، ومن يأخذ يا ترى هذه المرة، ألم يكتفِ ويشبع من كل من ابتلعهم في تلك السنين الخمس؟ أوه متى تحل رحمة الله بنا.

كثيرون فروا يوم زحف النظام البائد معلناً حرباً ضروساً على شعبه، وهم معذورون بالمناسبة، لأنهم خُيروا بين خيارين، البقاء في دورهم التي يحيلها القصف قبوراً، أو الفرار أُسارى في أيد الغرباء، ويعلم الله وحده إلى أي حد ستكون أيادي الغرباء رحيمة وسخية، لكنها في كل حال ستكون أرحم من يد ابن البلد، الذي أكل لحمها ورمانا بالعظام والفوسفور والقنابل العنقودية، لكنها ستظل يدا غريبة. "الآخرون هم الجحيم"، لكن ماذا يكون جحيمهم بجوار جحيم الأسد،.

الآخرون هم الغرباء الذين أطعموا الطغاة، واليوم يأنفون من استقبال لاجئينا، ولسان حال اللاجئين: "ما أردنا إلا حياة كالحياة"، حياة تغمرها الحرية، هل بالغنا في الطلب لتبالغوا في الصدود؟

لكن القاعدين هنا فضلهم الله على اللاجئين درجات، لأن اللاجئ على الأقل بات يملك حرية نفسه وعيشه ما لم يضيّق عليه البلد المضيف في ذلك، أما القاعدون فهم محاصرون إلا من طائرات الاستطلاع تقذف جحيمها ونارها عليهم من فوق، علهم يتوبون عن الحرية، وهم لغير الله لم يركعوا، ولم يتكئوا بعكاز ثورتهم المتين إلا على الله الذي لا أحد لهم غيره، وباتت أنفسهم حرة وكل من يراهم ولا يمد يداً لهم جبان، يداً تعينهم على ظالمهم، لا تعطي للظالم رصاصة يخلع بها قلب أم رؤوم، بأن يرديها قتيلة أو يصيبها في بنيها.

لأن الذين بقوا، اختار أصعب الصعبين، لأنهم ثبتوا، وما هانوا، ولا ضعفوا، فهم أفضل، والمفاضلة هنا متعمدة لإعلاء شأنهم، فهم وحدهم المقاتلون، في حين يتسكع السياسيون في حانات الأمم المتحدة، وفنادقها، ومراقصها وقيعانها لا أقول قاعاتها. قاتل أهل الأرض الثابتين فيها، انتصروا حيناً رغم حياء عدتهم التي ملكوها، ورغم ارتقاء الزهور إلى ربها كل يوم، رغم الآه في أعينهم، والدمعة التي تحبسها دعوة بنصر مكين، وتوكل على الله العلي، في أن أمد هذه الحرب وإن طال، فالله قادر على حسمه، دون أن تتدخل أمنا العمياء، الأمم المتحدة.

للذين بقوا منا السلام، للمعتقلين في سجون الطغاة منا ألف سلام، وإلى الذين ارتقوا إلى ربهم منهم، ألف ألف سلام، من حمزة الخطيب زهرة الثورة السورية التي قطفها الحقد وهي لما تنضج بعد ولما تشبع من الحرية الوليدة بعد، وحتى آخر زهرة ترتقي إلى ربها، لعل الزهور تطرح في بلاد الشام حرية بقدر ما قطفوا منها أرواحاً. وقد قطفوا منها - لعنهم الله الكثير، فسلام على من بقي، وآثر أن يصرخ في أرضه، ولم يلجأ إلى جحيم الآخرين الذين لو صرخ فيهم صارخ ما أسمعهم، ولو أسمعهم لما تحركوا.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات