تحرير الموصل… البضاعة الأكثر مبيعا في الأسواق!

تم نشره الثلاثاء 27 أيلول / سبتمبر 2016 01:09 صباحاً
تحرير الموصل… البضاعة الأكثر مبيعا في الأسواق!
هيفاء زنكنة

لعل اكثر المفردات شيوعا في ضباب الحقبة الزمنية التي نعيشها، ومنذ ان قررت الولايات المتحدة، تبني سياسة المحافظين الجدد في شن الحرب على كل من تراه « ليس معها»، هي مفردة الإرهاب وما يصاحبها من اسماء وصفات تراوح في التصريحات والاجندات واجهزة الإعلام ما بين «الحرب» و»القضاء» و»دحر» و»هزيمة» الإرهاب.

في هوة «محاربة الإرهاب»، سقطت الحكومات العربية الواحدة بعد الاخرى، قبل غيرها من الدول، لتجذب معها إلى مياه الايديولوجيا الآسنة الاحزاب والتيارات التقليدية العربية. صارت الطمغة التي يفتخر بها كل نظام عربي هو تسابقه لاثبات ولائه لمرجعية القوة العسكرية الأمريكية. أما الاحزاب المعروفة، تاريخيا، بعدائها للامبريالية والهيمنة والاستغلال الاقتصادي، المتفاخرة باستقلالها عما تسميه «النظم الرجعية الفاسدة»، فقد نزعت جلدها لتتعرى مزهوة بعرض محاسنها للمستعمر الجديد، على أمل السماح لها بالتقاط الفتات. من بين الفتات، التقطت الاحزاب، في العراق مثلا، الطائفية والعرقية، لتنافس الاحزاب والتيارات، حديثة الولادة، المؤسسة على الطائفية والعرقية. فمن الذي يتجرأ على الوقوف خارج خيمة «الحرب على الإرهاب»، غير الإرهابي القاعدي الداعشي؟ لم يعد «من ليس معنا هو ضدنا» شعارا بل واقعا تمارسه الانظمة وملحقاتها لصالح القوى الخارجية، لكتم انفاس من يتجرأ على التساؤل او المبادرة بتقديم البديل. هذا هو جوهر التحالف الدولي، المكون من 66 دولة برئاسة أمريكا، بضمنها أنظمة عربية، تخوض حربا ضد شعوبها بتهليل أو، في احسن الاحوال، صمت الاحزاب «الوطنية»، مما يشرعن، في كل لحظة قصف، ابادة الشعوب تجويعا وقتلا.

من كان يتصور اننا سنعيش في زمن يتم فيه حرمان مدينة عربية من الماء ولا يخرج الناس إلى الشوارع احتجاجا على حصار شعب يتم تنفيذ حكم الاعدام به امام انظار العالم؟ ما الذي يجعلنا صامتين لا نرى ولا نسمع ؟ هل هو قمع الحكام المستبدين واحتماؤهم بدروع القوى العظمى، من أمريكا وبريطانيا إلى روسيا، واستخذاء الاحزاب المحلية والقوى الاقليمية بالاضافة إلى حملة الترويع والترهيب بان من ليس معنا هو إرهابي بالضرورة؟ ام انها العوامل كلها مجتمعة؟

أهل حلب بلا ماء، بلا حياة. لم يعد كافيا الحصار والقصف بالبراميل المتفجرة والتجويع. حتى المياه باتت خطرا على النظام السوري وحلفاء «الحرب على الإرهاب». المنظمات الإنسانية تحذر من انتشار الاوبئة وغارات النظام وحلفائه لا تميز بين المدنيين والمقاتلين، بين البيوت والقواعد والمستشفيات. ومن بين صراخ الاطفال والنساء المحاصرين، نسمع صوت رئيس بعثة أطباء بلا حدود في سوريا، مذكرا العالم بأنه «لا يوجد مكان يمكن للمصابين والمرضى يذهبون إليه على الإطلاق. انهم يتركون للموت».

أهل الموصل الفيحاء، شمال العراق، يقصفون يوميا تحت ذات الشعار: محاربة الإرهاب. لا احد يعرف بالضبط عدد الضحايا من المدنيين نتيجة قصف المدينة المكتظة بالسكان. فالقوات الأمريكية لا تحصي غير جنودها والنظام العراقي غير معني بحياة المواطنين وما قد يخدش سمعة حلفائه الغربيين والإيرانيين. وروسيا، التي يحرص اليساريون على التغاضي عن دورها في كوارث تقسيم المنطقة، حريصة على استعادة دورها كقوة عظمى ولتذهب الشعوب إلى الجحيم. أهل الموصل، مدينة العلم والروح الوطنية، يعرفون جيدا معنى العقاب الجماعي، فقد ذاقوه على ايدي قوات النظام العراقي قبل دخول مقاتلي الدولة الإسلامية في حزيران 2014، ثم عاشوا تفاصيله تحت وحشية الدولة الإسلامية وقصف قوات التحالف اللا انساني، الذي استخدمت خلاله، حسب صحيفة الواشنطن بوست، 23 أيلول/سبتمبر، استنادا إلى صور ومقاطع فيديو نشرها البنتاغون، الفسفور الابيض وهو مادة حارقة محرمة دوليا وتم استخدامها، باعتراف قيادة الاحتلال الأمريكي، اثناء قصف مدينة الفلوجة، غرب العراق، عام 2004. وهاهي نذر عقاب جماعي آخر تلوح في الافق القريب.

الكل يتحدث عن «تحرير» الموصل. البضاعة الاكثر مبيعا في سوق النخاسة السياسية. من الرئيس أوباما إلى رؤساء الدول الاوروبية ووزراء الخارجية إلى ساسة العراق وإيران، خاصة وان التنافس على الهيمنة على اقتسام العراق على أشده، ولكل جهة اتباعها وقواتها ومستشاريها. أصبح عدد «المستشارين» الإيرانيين والأمريكيين والبريطانيين وبقية حزمة التحالف عشرات الآلاف.

ومع تزايد ذعر السكان مما ستحمله الايام المقبلة من حملة انتقام على ايدي المتقاتلين ووصول ميليشيا الحشد الشعبي، يزداد عدد وزراء الدول « الحليفة»، والقادة القادمين إلى بغداد ليؤكدوا لشعوبهم، انهم مشاركون لاغنى عنهم في الحرب على الإرهاب، وان بقيت القيادة العامة بيد البنتاغون، الذي تبجح الناطق بإسمه ان عشرات الآلاف من طلعات الطيارت بلا طيار لتصوير الموصل توفر لهم خرائط تفصيلية بدقة 3 أقدام لكل المدينة، أي بدقة المتر الواحد، أي أنهم اصبحوا ادرى بالمدينة من أبنائها الذين لم يعودوا اكثر من ظاهرة جانبية في لعبة النابالم والفسفور والاجهزة الالكترونية المدمرة.

وزيرة الدفاع الالمانية، التقت رئيس الجمهورية لتناقش «التحضيرات لمعركة الموصل ودحر الإرهاب». وأعلن وزير الدفاع البريطاني بأن عملية محاصرة الموصل، يفترض أن تبدأ «خلال الأسابيع القليلة المقبلة، تمهيدا لتحريرها».

أما قائد القوات المركزية للقوات الأمريكية فقد تنقل ما بين بغداد وأربيل متعاملا معهما كبلدين منفصلين (كردستان والعراق) بجيشين منفصلين (قوات بيشمركه كردستان والقوات العراقية) ورئيسين لا يمثل احدهما العراق (فؤاد معصوم والبارزاني). كانت مهمته «بحث تفاصيل خطة تحرير الموصل» و»التنسيق مع الجيش الأمريكي في العملية».

الملاحظ أن ايا ممن سيساهمون بـ»دحر الإرهاب» لا يتطرق إلى مصير المدنيين، وتشير كل الدلائل إلى ان «تحرير الموصل» سيماثل «تحرير» العراق عام 2003، بنتائجه الكارثية لكثرة الاصابع المنغرزة، وعنجهية ومطامع منفذيها، ونظرتهم الدونية إلى الشعب العراقي. ولعل أفضل مثال على صفاقة من يدعون الحرص على حقوق الانسان والديمقراطية، هو ممثل الامين العام للأمم المتحدة في العراق جورجي بوستن، مؤكدا (24 أيلول)، في بغداد، ان «التجربة الديمقراطية في العراق تعد فريدة من نوعها». فاذا بي أسمع صوت مغنينا الراحل عزيز علي، واصفا بغداد، البستان رائع الجمال والعطاء، وكيف غدت تحت الاحتلال البريطاني «يا وسفة عليها اليوم وكر غربان».

(المصدر: القدس العربي 2016-09-27)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات