الحكومة و"الإخوان"..

على الأغلب سيُحسم "الموقف الرسمي" من موضوع مقاطعة جماعة الإخوان في غضون أيام قليلة، فيما يبدو المزاج الحكومي (إلى الآن) بعدم تقديم أي إشارات تشي بتنازل أو تراجع أمام تيار "المقاطعة"، وقد وصلت "اختبارات" مصغّرة لموقف الإخوان بإصرار الجماعة على شروط معيّنة للعدول عن قرار المقاطعة، بالرغم من وجود رغبة كبيرة من المرجعيات العليا بمشاركة الإخوان.
التحدّي الحقيقي أمام الحكومة هو في هاجس نسبة المشاركة السياسية، وتحديداً في المدن الكبرى، ولدى شريحة اجتماعية واسعة (الأردنيين من أصل فلسطيني) تتمتع الجماعة بحضور واسع فيها، وما يعزز فرضية "العزوف عن المشاركة" في هذه المناطق نسبة المشاركة المنخفضة تقليدياً فيها، ومن تزامن قرار "الإخوان" مع دعوات موازية من جهات مختلفة، في ظل أجواء من الضغوط الاقتصادية والاحتقانات السياسية التي تعزز من حالة الغضب والتشنّج.
الرد الحكومي على المقاطعة يكمن في التقليل من شأن تأثير غياب "الإخوان" في المدن الكبرى، والعمل على إحلال شخصيات أخرى لها وزنها السياسي، والقيام بحملة إعلامية تدفع إلى المشاركة، وإجراء انتخابات على قدر كبير من النزاهة يصفها مصدر مطلع بأنّها ستكون شبيهة بانتخابات العام 1989، ما يجعل مقاطعة "الإخوان" تبدو أمام الرأي العام "عدمية".
على الجهة الأخرى، يبدو خيار المقاطعة بالنسبة للإخوان تحدّياً استراتيجياً، إذ أنّ غياب الحركة عن البرلمان خلال المرحلة المقبلة، مع بتر أطرافها الاجتماعية والخيرية والاقتصادية، من خلال سياسات القضم الرسمية المتتالية، يحدّ من هامش حركة الجماعة وقدرتها على التأثير وحضورها السياسي، وهو ما يدفع الجماعة إلى بناء تصور بديل للمشاركة النيابية في المرحلة المقبلة.
بلا شك، فإنّ ثقل جماعة الإخوان بالمجتمع سيبقى كبيراً، والبديل عنها فراغ سياسي، حتى وإن قاطعت مجلس النواب، إذ تحظى بقاعدة اجتماعية جيّدة، في ظل عدم وجود منافسين سياسيين داخل شريحة اجتماعية واسعة، إلاّ أنّ افتقاد الجماعة للأدوات التقليدية التي مكّنتها تاريخياً من الصعود والانتشار يدفعها إلى "مراجعة عميقة" في استراتيجياتها وأدواتها، وإلى ضرورة إيجاد حلول فكرية- سياسية لأزمة الجماعة الداخلية.
الجماعة اليوم أمام تحدّي البحث عن أفق سياسي جديد للتغيير أو العمل السياسي، فهي تاريخياً بقيت مترددة (كالإخوان في الأماكن الأخرى) بين مدرستي حسن البنا وسيد قطب، إلى أن انحازت فكرياً وسياسياً إلى القبول بالديمقراطية والتعددية، لكن بعد أن أُغلق باب الإصلاح السياسي في وجهها، فإنها تبدو وكأنها علقت في "منتصف الطريق"، وعليها اجتراح "مخرج" جديد من هذا الفخ السياسي.
خيار "الاستنكاف السياسي" والدعوات إلى العودة للعمل الاجتماعي والدعوي لا تبدو واقعية، ذلك أنّ المسارب التقليدية لعمل الجماعة في هذه الحقول قد أُغلقت، ولأنّ الجماعة تحولت خلال السنوات الأخيرة بفعل الظروف الحالية إلى "كائن سياسي"، يصعب أن تعيد عقارب الساعة إلى وراء.
مصلحة الحكومة والجماعة على السواء تكمن بالمشاركة السياسية، والخطوة الأولى التي تكفل تذليل العقبات الانفتاح السياسي والحوار وتنقية الأجواء لتدوير المواقف الحادة، أما المضي قدماً مع خيار المقاطعة فسيضع الطرفين أمام ورقة امتحان أسئلتها أكثر صعوبة وتعقيداً.
( الغد )