محنة حلب وكشف المستور بين الأميركان والروس

تم نشره السبت 01st تشرين الأوّل / أكتوبر 2016 12:56 صباحاً
محنة حلب وكشف المستور بين الأميركان والروس
د. خطار أبودياب

مع استمرار التصعيد والسعي لاحتلال شرق حلب تضع موسكو وواشنطن والقوى الغربية وما يسمى مجتمع دولي أمام التحدي، ويتمظهر العجز إزاء القوة الفظة في عالم الاضطراب الاستراتيجي.

يتزامن الإصرار على سحق المعارضة السورية المسلحة في حلب مع حلول الذكرى الأولى للتدخل العسكـري الـروسي الكثيف في سوريا، ويتمثل الهدف في تحقيق انتصار كبير وفرض رؤية معينة لتأهيل النظام وتركيب المشهد السوري.

هل تكون المهمـة يسيرة خلال الأشهر الأخيـرة مـن ولايـة باراك أوباما، أم ستفشل من جديد حسابات اللاعبين الدوليين والإقليميين في تطويع الحراك الثوري السوري، في سياق نزاع متشعب يصعب احتواؤه والسيطرة عليه.

في الأيام الأخيرة لا تتعامل موسكو بجدية مع تحذيرات واشنطن وتستخدم القوة المفرطة، إذ أن التصعيد الأخير منذ أواسط الشهر الماضي أتى بعد سقوط اتفاق جون كيري – سيرجي لافروف الموقع في التاسع من سبتمبر، بعد كشف المستور من غموض مقصود وغير بناء.

من هنا، لا يمكن للتراشق الكلامي والسجال الأميركي الروسي الدائر حاليا أن يحجبا توافقا ضمنيا ورد في أحد بنود الاتفاق ينص على “بذل جهود مشتركة خاصة في حلب بما يخدم تطبيع الوضع في سوريا”.

وكان من الواضح أن التطبيع حسب فهم الروس هو الإخضاع على شاكلة ما جرى في الكثير من الأماكن التي شملها ما يسمى مصالحات قاعدة حميميم. لكن “الشيطان الذي يكمن في التفاصيل” دخل على خط الإبهام في الترتيبات مع عدم وقف إطلاق النار وعدم دخول المساعدات الإنسانية والتفسيرات المتباينة، إذ أن هدف الإدارة الأميركية هو تجميد النزاع و”ستر الوجه” قبل الدخول في حقبة البطة العرجاء، بينما كان هدف موسكو أن تساعدها واشنطن على تحقيق أهدافها.

يجدر التأكيد أنه منذ بدايات الأزمة السورية، استثمر فلاديمير بوتين كل طاقته في دعم بشار الأسد، لتكون سوريا نقطة ارتكاز حيوية للعودة إلى الساحة الدولية، والوصول إلى المياه الدافئة وفرض نفسه لاعبا دوليا.

ومما لا شك فيه أن الرئيس الروسي استفاد من ضعف سياسة أوباما، الذي سلّمه مفتاح الحل في سوريا، بالضبط منذ سبتمبر 2013 حين التوصل إلى الاتفاق حول السلاح الكيميائي السوري والتراجع عن الضربة العسكرية.

في هذا السياق ساد الانطباع عند المراقبين بأن جون كيري أراد التوصل إلى اتفاق بأي ثمن لإنقاذ سمعته الشخصية و“دوره التاريخي”، لكن موافقته على تشكيل غرفة عمليات مشتركة مع الروس لمكافحة الإرهاب (الأولوية الروسية التي استجاب لها المفاوض الأميركي كانت في الفصل بين المعارضة المعتدلة المسلحة وجبهة فتح الشام، النصرة سابقا) لم تكن تحظى بموافقة نهائية من البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأميركية، لأن الشكل الجديد من الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن من أوكرانيا والبلطيق إلى الشرق الأوسط، لا يجعل من تقاسم المعلومات والعمل المشترك في الملف السوري لوحده (ولو تحت غطاء ضرب الإرهاب)، أمرا مرحبا به من المؤسستين الأميركيتين الموجودتين على خط التوتر، لأن ذلك يكشف الأساليب الأميركية وربما أصدقاء واشنطن المفترضين أمام الخصم التاريخي.

وربما تفسر ذلك الغارة الأميركية على الجيش السوري في دير الزور، وما تلاها من تصعيد روسي أخذ يهدد كل التنسيق والتعاون الروسي الأميركي في هذا الملف.

بالرغم من الرغبة الروسية في انتهاز الفرصة وإحراز الحد الأقصى من المكاسب، وبالرغم من الخلل بين المؤسسات الأميركية نفسها، كان يتمثل المستور في المشاورات الأميركية الروسية في عدم الإفصاح عن الخلاف المركزي على الهدف النهائي حيث يريد الروس تثبيت شرعية بشار الأسد، بينما يصر الأميركـان على “سوريا جديدة من دون بشار الأسد” (ورد هذا الكلام حرفيا في مذكرة تسلمتها المعارضة السورية أواسط شهر أغسطس الماضي من مايكل راتني الموفد الأميركي الخاص إلى سوريا). لكن واشنطن التي تبنت “عدم إسقاط منظومة الأسد قبل إيجاد البديل الملائم وعدم سحق المعارضة” تمادت في أسلوب الاستنزاف وراهنت على إمكانية إبقاء “لعبة الأمم الكبرى” تحت السقف الذي تحدده، لكن القيصر الجديد تمكن خلال عام من تكريس دوره كلاعب أول على الساحة الروسية عبر تحالف متين مع إيران وتقاطعات مع إسرائيل وتركيا، وتنبه للورقة الكردية مما أتاح له الإمساك بالجزء الأكبر من الورقة السورية.

ضمن الاختلال في ميزان القوى التفاوضي وبالرغم من تسليم واشنطن في بقاء بشار الأسد خلال مرحلة انتقالية من سنة ونصف السنة وذلك لبدء مسار الحل السياسي، سعت موسكو بقوة لفرض أولويـاتها مع كشف تنـازلات واشنطـن التي لا تحرجها فقـط مع المعـارضة السورية بل مع تركيا والمملكـة العربية السعـودية، وتسهم أكثر في فضح مدى صدقيتها وتبرز فشلها السياسي والأخلاقي على الساحة السورية.

مع استمرار التصعيد والسعي لاحتلال شرق حلب تضع موسكو واشنطن والقوى الغربية وما يسمى مجتمع دولي أمام التحدي، ويتمظهر العجز إزاء القوة الفظة في عالم الاضطراب الاستراتيجي.

لن تثني الخيارات الجديدة التي تدرسها واشنطن الرئيس الروسي عن الاستمرار في اندفاعه في سياق توجه جيوسياسي شامل لموسكو يتعدى النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.

هكذا لا تكشف محنة حلب فقط عن المستور من مناكفات وتفاهمات الأميركان والروس، بل أيضـا عن وصمة عـار على جبين الإنسانية لا يمكن لكل غار صابون حلب أن يزيلها.

(المصدر: العرب اللندنية 2016-10-01)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات