الخوف من المجهول يفقدنا الإحساس بالواقع

المدينة نيوز :- ننسى أحيانا أن نعيش الواقع كما هو بدون أن نخاف من المجهول الذي قد يفاجئنا بأمور لم نتوقعها أو بالأحرى لم نستعد لها كما يجب. بل على العكس نقرر أن نشغل ذواتنا بالبحث عن كل الثغرات التي من شأنها أن تثنينا عن إكمال ما بدأناه.
وصولا إلى الأهداف التي ننشدها ونسعى إلى أن تكون حافزا لنا يدفعنا لأن نبدد تلك اللحظة التي ترغمنا على أن نعلن استسلمنا لمشاعر الخوف المرهقة المقلقة المعادية فعليا لرغبة الإبداع تلك التي تطالبنا بأن نثبت وجودنا هناك داخل تفاصيل ذلك الواقع المتغير الذي يرفض تماما أن نسجن أنفسنا خلف أسوار المجهول.
ويرفض أيضا أن نتخلى قصرا عن كل ما من شأنه أن يشعرنا بأننا ما نزال على قيد الحياة، ويحاول إقناعنا بأن علينا أن نفهم أن الضمانات التي نبحث عنها خاضعة بالكامل لقوانين المجهول. لا يمكننا الاحتماء بها والاحتكام إليها في حال اضطررنا للوقوف في الخارج حتما عن إرادتنا.
ذلك الوقوف الذي يأتي نتيجة فقداننا للأمان والسماح للخوف بالتأثير على قراراتنا بحجة أننا نخشى أن نخفق أو أن يتسلل إلينا الندم ولو للحظة. ونتجاهل أن بتفكيرنا هذا حكمنا على أنفسنا بأن نبقى مغيبين عن أكثر اللحظات سعادة، كونها تصر على أن تمنحنا مساحة لكي نبدع، ولكي نحدث ذلك الفرق الذي لطالما فكرنا به. وناضلنا من أجل أن نكون جميعا شركاء في تنفيذه وإبعاده عن بعض التوقعات التي تفترض دائما التراجع والتغيير نحو الأسوأ دون الأخذ بعين الاعتبار أن هناك إشارات كثيرة ينبغي التنبه لها وإخضاعها لرؤيتنا الخاصة التي تعتمد زوايا متعددة في فهم حقيقتها وإمكانية بناء ما سيكون وأحيانا ما سيواجهنا هناك في أي بند من بنود الحماية التي نعتقد أنها كفيلة بأن تنقذنا من قرارات متسرعة تحتاج منا مزيدا من التفكير والتأني.
مع محاولة جادة بالتصدي لتلك التحولات الجذرية التي تفوق قدرتنا على الاحتمال، وتدخلنا حتما في صراع غير متكافئ مع ما نريده وما ينبغي علينا اختياره لنستطيع على الأقل أن نطمئن ونضمن أن نعيش استقرارا أبديا.
ليس في هذا الاستقرار ما يدعو إلى القلق أو الخوف من أن تعترضنا حقائق كنا نعتقد أنها لم تعد تعنينا اليوم، ولم تعد ضمن أولوياتنا، بل أصبحت جزءا من الماضي غير خاضعة للوم أو محاسبة أو حتى لتلك الأحكام التي تشعرنا بأننا أخطأنا حينما اخترنا أن نتمسك بأحلامنا، ونعزلها عن مخاوف قادرة على أن تهدمها وتغرقها أكثر في وهم المجهول، وفرضياته اليائسة المحبطة في أغلب الأحيان، التي ترجح دائما فكرة أن الفشل هو النهاية الحتمية لخيارات هدفها الوحيد إبراز ما لدينا من إمكانات تستحق أن يثنى عليها، وأن تتحرر من تبعات الانتظار السلبي لكل ما يخبئه لنا المجهول.
وبالتالي يصبح بإمكاننا قراءة المشهد جيدا، ومعرفة ما إذا كنا قادرين على أن نتقبل الهزيمة وندرك أنها أصبحت حقيقة ملموسة أم أننا سننكر ذلك، وسنفضل أن نبحث عن الحلول الكاملة بهدوء وبدون أن نفكر حتى بالاعتراف لمن حولنا.
اعتقادا منا، أننا بهذه الطريقة نعطي لأنفسنا الوقت الكافي لاستعادة ما خسرناه بعيدا عن اقتراحات عشوائية غير مدروسة، من الممكن جدا أن تتسبب في تشتيتنا، وتوريطنا بوجع الحيرة الذي قد يلازمنا طويلا.
ويحرمنا كذلك من أن نستمتع بحاضرنا، وبكل اللحظات الحقيقية الاستثنائية التي لن تتكرر ولن تعاود التناوب مرة أخرى هناك، حيث الحاجة للتفاوض مع أنفسنا، والإصرار على عقد مقارنة بين ما حققناه، وما نحاول الآن تحقيقه من خلال قدرتنا على التواءم مع حقيقة أن المجهول هو وحده من يمتحن أحلامنا وأحيانا من يغدر بها، وبتلك النتائج التي لم نمنحها شرعية الحضور.