السباق إلى الجامعات

السباق إلى الجامعات
أخبرني صديق عائد للتو من جولة في الدول الاسكندنافية، أن المشكلة عندهم معكوسة، أي قلّة الشباب الراغبين في الالتحاق بالجامعات قياسا على القدرة الاستيعابية لها! أي العكس تماما مما يجري عندنا، حيث يريد الجميع الالتحاق بالجامعات التي تضطر لوضع حدّ أدنى للمعدلات، وإدخال الطلبة في منافسة عسيرة تفرق فيها عشر الدرجة، للتمكن من الالتحاق بكليات مثل الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة.
ويبدو غريبا أن الطلب على التعليم الجامعي يكون أقلّ في الدول الأكثر تقدما، والتفسير المرجح هو في طبيعة سوق العمل، إذ لا يوجد فرق كبير في الرواتب والامتيازات بسبب الشهادة. فالعمل محترم في كل الأحوال، وليس هناك تمييز اجتماعي بين فئات العاملين بغض النظر عن شهاداتهم، وهم يحصلون على كل الضمانات والامتيازات، مثل التأمين الصحي والتأمينات الأخرى، بما في ذلك التأمين ضدّ البطالة والتقاعد بصورة متكافئة. وعليه فإن كثيرين لا يرون سببا لصرف سنوات إضافية، إلا إذا كان لديهم ميل واضح للدراسة ومتابعة التحصيل وتحقيق الذات في مجال معين.
في الحقيقة أن الأغلبية الساحقة من الشباب ينهون التوجيهي وليس في بالهم شيء معين يرغبون في دراسته، والشهادة الجامعية هدف بذاته، لأن العكس يعني الارتماء في سوق البطالة وبالدرجة الدنيا، فحتّى البطالة تصنف اجتماعيا بمستويات، فالموقف الاجتماعي للجامعي العاطل عن العمل غيرة من الذي لا يحمل شهادة، ورغم أن الجدوى الاقتصادية لدراسة الطب أو الهندسة تبدو غير متكافئة أبدا مع الإنفاق عليها بالتعليم الموازي، فإن الأسر تفعل كل شيء للحصول على هذا التعليم.
المشكلة هي سوق العمل وثقافة العمل، وهما مترابطان، ويجب أن نكفّ عن التفاخر بنسبة الملتحقين بالتعليم الجامعي وبنسبة خريجي الجامعات فهذا بات من سمات التخلف وليس التقدم، وسيكون من علامات التقدم وإحراز نجاحات في التنمية والتطور تراجع نسب الإقبال على التعليم الجامعي، فهذا يعني أن سوق العمل أفضل وشروط العمل أفضل وقيمة العمل أفضل والمكانة الاجتماعية للعاملين أفضل، وهذه كلها من سمات التقدم.
ليس لدينا خطّة لتحفيز \"العزوف\" عن التعليم الجامعي، والاقبال على التعليم الحرفي والالتحاق المبكر بسوق العمل، رغم أن برنامجا يبذل وبجهود كبيرة للتدريب والتشغيل بما في ذلك برنامج القوات المسلحة. وهذا العام سوف تتفاقم المشكلة فعدد الطلبة الذين حصلوا على معدلات مقبولة للتعليم الجامعي، وصل إلى 42 الف طالب تقريبا، بينما توفر الجامعات الحكومية أقلّ من 29 ألف مقعد، والباقون يجب أن يذهبوا الى الموازي والجامعات الخاصّة والخارج. ومن المؤكد أنهم جميعا يريدون مواصلة التعليم الجامعي، فالبديل هو البطالة والقعود في البيت.
كنّا قد كتبنا قبل يومين عن واقع العمالة في بلدنا حيث يعمل واحد من كل ثلاثة رجال بالغين وامرأة من كل 8 نساء بالغات، والدراسة الجامعية هي بنسبة كبيرة بطالة مقنّعة أو مؤجّلة وخصوصا للبنات. ومعالجة التعليم الجامعي جزء من معالجة مشكلة سوق العمل بأبعادها المختلفة.