داود .. يصوم يوما ويفطر آخر

تم نشره الجمعة 13 آب / أغسطس 2010 03:44 صباحاً
داود .. يصوم يوما ويفطر آخر
حلمي الاسمر

سقط الفتى ابن الثالث ابتدائي مغشيا عليه في الصف ، وسط دهشة التلاميذ والمدرسين ، حملوه إلى الطبيب ، أجرى له عملية اسعاف أولية ، حينما أفاق بكى ، سأل الطبيب: ما قصتك يا بني؟ ولم تعاني من كل هذا الهزال؟.

قال الفتى: لا شيء يا دكتور، قال الطبيب: ولكنك تعب جدا، قال الفتى: نعم يا دكتور ، أنا تعبان وجائع، قال الطبيب: ولم يا بني؟ قال الفتى: لأني صائم،.

صائم؟ سأل الطبيب، في هذا اليوم؟ وهو ليس عاشوراء ولا يوم وقفة عرفات ولا اثنين ولا خميس ، ولا رمضان ، لم أنت صائم؟.

قال الفتى: أنا اصوم يوما وأفطر يوما،.

لم يصدق الطبيب أذنيه، تقصد صوم النبي داود؟ سأل الفتى: من داود يا دكتور؟ أبي اسمه عباس، أبي هو الذي يأمرنا بالصوم،.

قال الطبيب: يأمركم؟ من انتم؟ وما القصة يا فتى؟ إجلس وحدثني بهدوء، كم اخ واخت أنتم؟ واين تقيمون؟.

قال الفتى: أبي يقسمنا قسمين ، القسم الأول يصوم يوما ، والقسم الثاني يصوم يوما آخر، رفع الطبيب حاجبيه ، سأل باستغراب: ما فهمت ، تقصد أن اباك يفرض عليكم أن تصوموا يوما بعد يوم؟ ولماذا؟ هل هو رجل متدين جدا إلى هذا الحد؟.

قال الفتى: متدين نعم ، لكن الصيام ليس بسبب الدين،.

قال الطبيب: بسبب ماذا يا ابني،؟.

قال الفتى: الجوع يا دكتور ، أبي لا يستطيع أن يطعمنا كل يوم، فيقسمنا إلى قسمين ، قسم يأكل يوما وقسم يأكل يوما آخر،.

كتبت هذه القصة في سياق مقالة نشرتها هنا في الدستور في 1 ـ 4 ـ 2004 ، وأحدثت حينها ضجة ، فقد تلقيت فيضا من الاتصالات تسأل عن مكان هذا الداود كي يهبوا لتقديم المعونة ، وبالمناسبة ، هذه ليست قصة مستلة من كتاب ، ولم أقرأها في مجلة ، وليست بالطبع من نسج الخيال ، بل رواها لي رجل من أهل الخير ، ممن اعتادوا على البحث عن أهل الحاجة ، وطرق بيوت من تحسبهم اغنياء من التعفف ، سألته حينها بالحاح أن يدلني على مكان هذه العائلة ، فقد بلغ "التطفل" بي مبلغه ، رغبة في لقاء رب هذه الأسرة ، ودراسة هذا الحالة الفريدة من الفقر والعوز والحاجة ، لكن محدثي أبى علي ذلك ، ووعدني أن يأخذني إليهم ذات يوم ، كي أرى بأم عيني كيف يعيشون ، وعلى ماذا يفطرون،.

طبعا لم يتسن لي أن أقابل أصحاب هذه الحالة ، لكن بعد أكثر من خمس سنوات قابلت من هم أكثر حاجة من داود ، فثمة أسر بأكملها تهاتفني مقسمة أنها لا تجد ما تأكله ، طبعا هذا كان قبل رمضان ، ولا ادري ما حالهم في رمضان ، ولكنني على ثقة أننا بحاجة لمزيد من التكافل والتراحم والتواد ، كي نحاصر مثل هذه الحالات أكثر ، وما أحلى ما قامت به تكية أم علي من إطلاق حملة تفطير الأسر العفيفة في بيوتها ، بدلا من موائد الرحمن ، التي يعف عن ارتيادها الكثيرون ممن يشعرون بالحرج ، ولا يدري عنهم أحد ، كحال داود ، إلا حينما يقعون أرضا .

( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات