رمضان في الغور

أكتب لكم وأمي حبيبتي بجنبي : بجنبي يعني بجنبي تماماً ..من زمان لم أكتب أو أمارس طقوسي الكتابية في بيت أبوي ..، ما إن أعلنوا عن رمضان حتى حزمتُ حقائبي أنا و جميع أفراد أسرتي الصغيرة وقلتُ بأعلى شهيّة : وينك يا الغور ..؟ وأنا الآن مثل ( مصيفية الغور ) : ولكن طعم أيّام رمضان الأولى لا تكون إلاّ بطعم الأب و الأم و الأخوة و الدفء العربي الذي لا يعوّض ..، تفقدتُ قريتي ..شوارعها ..بعض أحجارها التي كنتُ أرمي نفسي عليها وقتما يشتد بي العصف الذهني ..وها أنا أتفقد بعض خرائبها ..فقرها الذي يلازمها في رمضان وغير رمضان : محلات الخُضرة لها هالة عظيمة : و أصحاب البقالات مهما أغووك في الشراء فإن عجزك و تصفير جيوبك يردان أي إغراء ..،، الناس هنا في الأغوار يبدأون الدوام: على التاسعة و النصف صباحاً ..و التاسعة و النصف صباحاً في الأغوار تعني نهاية دوام العاملين في المزارع ..فهم يبدأون فجراً و ينتهون مع بداية الدوام الرسمي..الأغوار لا تحتمل هكذا دوام : لأن شمسها لا ترحم و الظمأ لن ينتظر ما بعد الإفطار ..،، الناس في الأغوار صامدون : و أطمئنكم بأنهم قالوا لي : لا يشعرون بجوع و عطش ..يجوز بحكم التعوّد ..فرحتُ لأنني وجدتُ الناس فرحين بالصيام ..فرحتُ لأنني وجدتُ أصحاب الوجوه السمراء تلوّح لك بالابتسام و البشاشة : رغم ما يختفي وراءها من ألمْ و تعب و حكايات يعرفها ولا يعرفها أحد ..،، نسيتُ أن أقول لكم بأنني رأيتُ بعض النسوة يجلسن بمكان كل عام : بانتظار طرود أي طرود : و لكن عددهن هذا العام ليس كما الأعوام السابقة ..يجوز الأمور لم تشتد بعد ..أو أن الارتفاع غير الطبيعي لمنسوب الشوب جعل الغالبية تلتزم بيوتها ..،، كل عام و الفقراء بخير ..
الدستور