جدل «التطهير العِرقي» يتجدّد «صُهيونِيّاً»

تم نشره الخميس 27 تشرين الأوّل / أكتوبر 2016 12:45 صباحاً
جدل «التطهير العِرقي» يتجدّد «صُهيونِيّاً»
محمد خروب

برزت ظاهرة «المؤرخون الجُدّد» في اسرائيل أواخر ثمانينيات القرن الماضي وتحديدا بعد العام 1988,عندما تم «السماح» بالاطلاع على الارشيف «الوطني» الاسرائيلي, وفق قانون حق الحصول على المعلومة ,الذي ينص على ضرورة مرور اربعة عقود على اي وثيقة كي تكون متاحة امام الباحثين. طبعاً... ليس كل الوثائق غدت مُتاحة, بل خضعت لموافقة الرقابة العسكرية, التي لا تتردد في حجب تلك الوثائق فحسب، بل هي تطمس على كثير من المعلومات في الوثائق «المَعروضة» ما يُبقي على المعلومات الحقيقية طيّ الكتمان, على نحو لا يسمح للمؤرخ او الباحث، بالخروج باستنتاجات دقيقة.

واذ حظيت ظاهرة «المؤرخون الجدد» باهتمام لافت, بعد ان «نجح» بعض المؤرخين في الإضاءة على «رواية» اخرى غير تلك «السردية» الصهيونية, التي واصلت الزعم بان «الفلسطينيين» هم الذين غادروا بلادهم برغبتهم او خضوعا لأوامر ونصائح دول عربية وعدتهم بالعودة فور هزيمة «اسرائيل», التي كان بن غوريون قد اعلنها للتو، فان هذه الظاهرة لم تدم طويلا وجرى الطمس عليها او التعتيم ومحاربتها اعلاميا ويهوديا وصهيونيا بشراسة وتشكيك واتهامات بالخيانة, وغيرها من الاوصاف والمصطلحات التي تبرع الصهيونية واذرعتها الضاربة في «صناعتها» وتوجيهها ضد من يتجرأ على «نقض» الرواية الصهيونية, التي قامت على نظرية الارض الموعودة من السماء والتي هي «صحراء»... بلا شعب.

رافق بروز ظاهرة «المؤرخون الجدد»، ظهور علم الاجتماع الجديد المتماهي مع ما وصف بمرحلة «ما بعد الصهيونية»، وكان جلّ اهتمامه او اقتراح من وقفوا خلف نظريته, هو ان تتم اعادة بعض المصطلحات الاساسية الى المجتمع الاسرائيلي، لكن ذلك لم يُعمّر طويلا وان كانت السجالات والجدل قد استمرا حتى الان، ولكن بوتيرة اقل ضجيجا وبقيت في مجالها «الاكاديمي» الذي لم يُغيِّر كثيرا في المشهد السياسي الاسرائيلي، بعد ان أحكَم اليمين الفاشي والديني في اسرائيل قبضته على «الدولة» ومؤسساتها ومفاصلها الاساسية، ناهيك عمّا لحق بـ»الرواية» الفلسطينية من اذى وأضرار وتشكيك، بعد اتفاق اوسلو وجنوح منظمة التحرير الى استراتيجية «المساومة» وعرض التنازلات التي وصلت ذروتها بعد تسلّم محمود عباس رئاسة السلطة, والانهيارات والانكسارات والفوضى العارمة التي بسطت «سطوتها» على المشهد العربي، على نحو لم يعد مُفاجِئا ان ترى دولا عربية تعرض التحالف مع اسرائيل, لمواجهة اخطار مُدّْعاة تتهدد امنها, فيما هي لا ترى الخطر الذي يمثله المشروع الصهيوني على المنطقة العربية بأسرها وليس فقط... فلسطين الارض والشعب والقضية.

مناسبة الحديث هو ان احد ابرز هؤلاء «المؤرخون الجدد» وهو «بِنِي موريس» الذي بدا في لحظة ما وكأنه يقود مشروع «نسف» او «تعديل» للرواية الصهيونية, «مُعترِفاً» بان تطهيرا عرقيا قد جرى ضد الفلسطينيين وخصوصاً بعد اطلاعه على «الخطة دال» التي نفذتها العصابات الارهابية الصهيونية, مثل اتسل وليحي والهاغاناه، ما لبث هذا «المؤرخ» ان «تاب» عائداً الى اصوله الصهيونية, وراح يتنكر لما عكف على ترويجه وتوثيقه الى ان قال مؤخرا: لم يتم بعد، تبني سياسة عامة للطرد – هنا طُرِدوا، هناك لم يُطرَدوا، وفي الغالب العرب ببساطة «هربوا»، مستطرداً: لا اقبل تعريف تطهير عرقي لما نفذه اليهود في بلاد اسرائيل عام 1948 (اذ فكرتم – والقول لموريس- باللد والرملة، فلعله يمكن الحديث عن تطهيرعرقي جزئي) وبالتأكيد لم يتم تطهير عرقي «اكثر نجاحا في القرن العشرين».. العكس هو الصحيح» (هاارتس 7/10/ 2016).

ما لبث هذا المؤرخ «التائب» صاحب كتاب(ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947 – 1949), الذي زاد من شهرته في بداية بروز ظاهرة «المؤرخون الجدد», والتي كان من رموزها ايلان بابيه وآفي شلايم وتوم سيغف, ان قال بعدما رد عليه مؤرِخون وصحافيون واكاديميون اسرائيليون الذين اتهموه بـِ»تغيير» آرائه, وانه غدا «حبيب المستوطنين» ان كتب يقول: بخصوص تغيير آرائي... رأيي تغيّر في أثناء التسعينيات بشأن امر واحد فقط، استعداد الفلسطينيين للتوصل معنا الى سلام. في بداية التسعينيات اعتقَدّتُ بانه ربما تغير «شيء» في الحركة الوطنية الفلسطينية، وهم مستعدون لان يعترفوا بــ(الواقع) وان يتوصلوا الى الحل الوسط للدولتين للشعبين، ولكن في العام 2000 في ضوء (لا) ياسر عرفات في كامب ديفيد، وفي ضوء الانتفاضة الثانية ومميزاتها, فهمت بان وجهتهم ليست للسلام.. – لأسفي – يختتم بني موريس – الوضع لم يتغير منذئذ» (هاآرتس21/ 10).

ليس ثمة شكوك في ان اسباب تراجع ان لم نقل ضمور ظاهرة (المؤرخون الجدد), هو ان معظم من استندوا الى الارشيف «الوطني الصهيوني».. لا يريدون المضي قدما في التأكيد على رواية التطهير العرقي الذي مارسته العصابات الصهيونية ضد شعب الفلسطينيين قبل وبعد قيام دولة العدو، وان كان احدهم ما يزال يواجه بشجاعة وصلابة محاولات إسكاته وهو «ايلان بابيه» مؤلف الكتاب الاحدث والوثائقي الغني الموسوم «التطهير العِرقي في فلسطين» والذي اضطر الى مغادرة اسرائيل والتخلي عن جنسيته الاسرائيلية وهو يعمل الآن في احدى الجامعات البريطانية، بعد ان وصلت عمليات مطاردته والتضييق عليه – ذروتها الارهابية الإعلامية... والأمنية.

(الراي2016-10-27)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات