يحدث في لبنان فقط !

تم نشره الخميس 27 تشرين الأوّل / أكتوبر 2016 12:47 صباحاً
يحدث في لبنان فقط !
محمد كعوش

لبنان نسيج وحده لا شبيه له في هذا العالم. لم يسجل التاريخ المعاصر ان بلدا عاش في فراغ رئاسي طوال هذه المدة التي بلغت حوالي عامين ونصف ، الا لبنان. ولبنان التعددي بطوائفه ، وحده الذي يصل الى حافة الهاوية ، في اكثر من مرة ، ويدخل في مراحل من الاقتتال الأهلي ، وينقسم البلد بشكل يهدد نسيجه الاجتماعي وحالة العيش المشترك فيه ، ثم تحدث المعجزة فيعود الى مربعه الاول ونشيده الأول ( كلنا للوطن ) وشعاره الأول « لا غالب ولا مغلوب «.

ومنذ قيام الدولة اللبنانية بحدودها الحالية ، في عهد الانتداب الفرنسي عقب الحرب العالمية الأولى، كان، وما زال الانقسام الطائفي هو القاسم المشترك الحاضر دائما ، ولكن بنكهة سياسية ، وكانت المحاصصة الطائفية ، ولا تزال ، هي التي تفرض قواعد اللعبة السياسية ، وتتحكم في توزيع المناصب الرسمية العاليا في لبنان. وهذا الواقع المتأرجح بين العيش المشترك وبين الخلافات الموسمية الطارئة، هو نتاج التوافق بين المسيحيين الذين تنازلوا عن طلب الحماية من فرنسا ( الأم الحنون ) ، وبين المسلمين الذين تخلوا عن المطالبة بضم لبنان الى الدولة العربية في سوريا الكبرى.

هذه هي البداية ، التي كانت واستمرت برضى أطراف المعادلة اللبنانية ، قبل الاستقلال وبعده ، وهي المعادلة التي تطورت فأصبحت تقليدا وعرفا تحت عنوان الميثاق الوطني اللبناني، الذي اعلن في العام 1943، مع ضرورة الاشارة الى أن الدستور اللبناني لا يتضمن هذه المحاصصة، ولا يوجد أي نص في مواده وبنوده ، يحدد طائفة رئيس الجمهورية ورئيس السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية ، وهذا يعني أن من حق أي مواطن لبناني تنطبق عليه الشروط الدستورية ان يترشح لأي من هذه المناصب.

هذا التوافق الطائفي ، هو سبب الوفاق اللبناني الدائم ، كما هو سبب الخلاف بين اللبنانيين ، في كثير من الأحيان ، وقد يصل الأمر الى التوتر السياسي ليتصاعد حتى يصل الى الاشتباك الأهلي والانقسام الطائفي والقطيعة السياسية ، وتعطيل عمل مؤسسات الدولة بالفراغ الدستوري والرئاسي احيانا.

اليوم يتطلع اللبنانيون الى جلسة مجلس النواب يوم الأثنين المقبل بتفاؤل حذر. فهم يتوقعون ان تنتهي أزمة الفراغ الرئاسي بانتخاب الجنرال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، اذا لم تحدث مفاجاة صادمة غير متوقعة. كلهم ينتظرون النهاية السعيدة للفيلم اللبناني التراجيدي الطويل.

والمعروف عادة لدى اللبنانيين أن انتخاب الرئيس اللبناني في معظم الأوقات ، أو في نهاية الأزمات، يتقرر في الخارج ، ووفق توافق محلي اقليمي دولي ، ولكن هذه المرة يعتقد اللبنانيون ان انتخاب الرئيس الجديد سيتم نتيجة توافق لبناني محلي ، يوشحه رضا الأطراف المعنية الأخرى صاحبة كلمة الفصل من بعيد ، ربما بسبب انشغالها بطوفان الفوضى في المنطقة. ويعتقد حزب الله، وهو اللاعب الرئيس في الساحة ، أنه قدم تضحيات كبرى من اجل انهاء الأزمة ، وفرض الاستحقاق الرئاسي ، خصوصا بقبوله سعد الحريري رئيسا للحكومة ، وعدم الرد على خطابه التصعيدي الأخير، الذي حمل انتقادات قاسية ورسائل عديدة للحزب وقيادته.

الحقيقة أن العامل المساعد في حل الأزمات اللبنانية باستمرار ، وفرض صيغة لا غالب ولا مغلوب، في نهاية الشوط ، هو وجود هذه التعددية والتنوع في نسيج المجتمع ، اضافة الى توفر القناعة لدى الجميع انه لا يمكن لطائفة واحدة أو حزب واحد ان يحكم لبنان ، ولا بد من المصالحة الوطنية، وقبول الآخر، ومشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد.

بهذه المناسبة نأمل ونتمنى ان نرى يوم الاثنين المقبل النهاية السعيدة للحكاية اللبنانية ، وأن يكون الحل اللبناني فأل خير للبنانيين وكل العرب، وبداية لحل الأزمات العربية الأخرى في ليبيا واليمن والعراق وسوريا، اذا تركتنا الدول الغربية الباحثة عن مصالحها ومصلحة اسرائيل بحالنا.

(الراي2016-10-27)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات