استراتيجية التسمية !!

تم نشره الثلاثاء 17 آب / أغسطس 2010 04:57 صباحاً
استراتيجية التسمية !!
خيري منصور

التسمية ليست مجانية كما نتصور أحياناً ، وهناك دراسات حول ما يسمى استراتيجية التسمية تستهدف ما هو ابعد من الأسماء ودلالاتها. فمن المعروف أن الاقليات تحرص على معجم خاص بالأسماء المتكررة ومن يحصلون على الجنسية الفرنسية مثلا يستطيعون تغيير اسمائهم بأسماء فرنسية شرط أن تكون من قائمة محددة بالأسماء الخاصة بمن هم غير فرنسيين اصلاً ، والعرب لهم باع في مجال التسمية ، فقد كانت الاسماء الناعمة للعبيد والأسماء الخشنة للاسياد ، وأحياناً استخدمت الاسماء بدلالات مضادة إما درءاً للحسد أو على بسيل الشكر بعد العقم ، وقد يكون من العسير على غير العربي أن يعرف أن كلمة السليم اطلقت على الملدوغ بسم الأفعى ، وأن الشحاذ هو اسم للوقاية والاتقاء،.

ما أثار هذه التداعيات هو تسمية عائلة باكستانية لطفل ولد في ذروة الكارثة التي تسبب بها الفيضان فقد سموه (سايلاب) وهي كلمة بلغتهم تعني الفيضان او الطوفان ، ولا نذكر أن هناك عربياً سمى ابنه احتلالاً او ابنته نكبة عام 1948 ، او نكسة عام 1967 ، فالعرب شغوفون بالاسماء ذات الدلالات المضادة للواقع.

قد يكون السبب في تسمية عائلة باكستانية لابنها "فيضان" هو الاصرار على عدم نسيان الكارثة لكن هذه الطبيعة الماكرة قد تفاجئ السيد فيضان عندما يبلغ الخمسين لجفاف الزرع والضرع بحيث لا يجد ما يبل به شفتيه المشققتين من الظمأ غير اسمه،.

وفي الماضي الذي لم يعد قريباً كانت اسماؤنا العربية لا تزال منحوتة من الابجدية ، والآن يندر أن يسمي أب ابنته فاطمة أو آمنة أو صفية ، لان لعبة التماهي والمحاكاة شملت كل شيء ولم تسلم منها الأسماء،.

انها سايكولوجيا المغلوب المفتون بغالبه ، فهو يقلده ويقتفي خطاه. دون ان يدري بانه يستكمل هزيمته بهذه المحاكاة ، لانه يقبلها كأمر واقع ويتأقلم معها كقدر.. ونحن نعيش في زمن بدل فيه بعض الناس لون الجلد كما فعل مايكل جاكسون ، وقبل ان يفعل جاكسون بنفسه وجلده ما فعل كان سارتر قد كتب مقالاً عن الشعراء السود ، ومنهم سنجور رئيس السنغال الراحل وايميه سيزير وسمى هؤلاء الشعراء الثوار إعجاباً بهم اورفيوس الاسود.

ثم تساءل سارتر ما الذي يفعله الانسان الاسود بسواده؟ هل يجري جراحات جلدية لتبييضه ام يصنع من طراز جيمس بولدوين وسنجور وسائر السلالة الخضراء.

ان العربي الآن على وشك أن يخلع جلده وذاكرته بعد ان خلع اسماءه كلها لأنه يخجل من اصله ، خصوصاً بعد ان أصبح مطلوباً حياً أو ميتاً في قطارات العالم وموانئه،.

ولو جازف أب عربي بتسمية ابنته نكبة لاصبح عمرها الآن اثنتين وستين سنة ، ولو سمى احدهم ابنته نكسة لأصبحت الان في الثالثة والاربعين من عمرها ، ولها ثلاثة أبناء اسماؤهم على التوالي لجوء ونزوح وهجرة.

وقد لا يعرف العرب أن هناك يهوديا طالب اسرائيل باطلاق اسماء ستة ملايين يهودي على اشجار فلسطين ، بدءاً من الزيتون والبرتقال حتى التين والسنديان.

التسمية ليست امرا عابراً ، انها تعبير عن مفاهيم وتصورات للذات والآخر ، لكن هذا قد يتم في اللاوعي والاسماء المشتقة من الانتصار بين ابناء جيلنا كانت تعبيراً عن شعور مرّ بفائض الهزائم،،.

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات