القيامة الآن» أو غداً

نحن بحاجة لقلم جوزيف كونراد (قلب الظلام) ، وعدسة فرانسيس كوبولا (القيامة الآن) لنسبر أغوار بحر الظلمات في عقل وقلب وضمير هذا الرجل الذي يدعى جون بولتون ، صديق الجميّل وستريدا جعجع ونايلة معوض وباقي رموز 14 آذار ، الذين طوّقوا عنقه ووجه بالأوسمة والقبلات الحارة ، بالنظر لدوره "المقدّر" في حرب تموز 2006 و"ثورة الأرز والاستقلال" ، ومسعاه لاستكمال حربه القذرة على العراق بحروب مجنونة ومفتوحة على لبنان.
هذا البلطجي ، لا يخجل أن يطلع علينا قبل أيام ، بنصائح كالدر المنثور ، يوزعها ذات اليمين وذات اليمين (فليس لدى الرجل شمال أو يسار أو وسط ، كله يمين ويمين متطرف) ، تدعو إسرائيل إلى اغتنام ربع الساعة الأخير ، والانقضاض على منشأة "بوشهر" قبل أن يصلها "الوقود النووي" الروسي المخصب ، والمقرر أن يتم غداً الجمعة.
لم تفاجئنا عدوانية بولتون وعداؤه الموصوف والمتأصل للشرق والعرب والمسلمين والعالم الثالث وكل ما هو غير "يميني" في أمريكا وإسرائيل ، فلطالما أتحفنا الرجل بمواقف أقرب ما تكون لوضع اليد على الزناد ، طالما بدا إسرائيلياً أكثر من 95 بالمائة من الإسرائيليين ، وليكودياً متطرفا أكثر من إسحق شامير ، هو صاحب نظرية "حل الدول الثلاث" بدل "دولتين لشعبين" ، والدول الثلاث هي إسرائيل ومصر والأردن ، تلك النظرية التي لم يحلم بها نتنياهو في أجمل مناماته منذ أن كان له "مكان تحت الشمس".
من الناحية العقائدية ، يبدو بولتون مسكوناً بهاجس "إيران النووية" ، المؤكد أنه سيعتبر إفلات إيران بالقنبلة النووية هزيمة شخصية له ، والراجح أن باله لن يهدأ قبل أن ينجح هو ونظراؤها من حلفاء إسرائيليين الأكثر صهيونية من "مستوطني الخليل أنفسهم" ، في جر الولايات المتحدة إلى حرب كونية رابعة ، بعد حروبها الثلاث الفاشلة: الحرب على الإرهاب ، الحرب على أفغانستان والحرب على العراق.
من دون أن تعُمّ الفوضى "الخلاقة" التي ضربت العراق وأفغانستان من قبل ، وتنتشر في إيران من بعد ، فتعيث فيها فساداً وتمزيقا و"تطييفاً".. من دون أن تغرق إيران بدماء السنة والشيعة ، المحافظين والإصلاحيين ، المتدينين والعلمانيين ، العرب والفرس والبلوش والأذريين.. من دون أن تمر البلاد بتجربة الحروب الأهلية المركبة كما حصل في العراق ويحصل.. من دون ذلك كله ، لن يهنأ بال لبولتون وأمثاله من النافخين في بوق صراع الحضارات ، الفاشيين الجدد الذين قرروا "عولمة تجربة الكوكلاكس كلان" وتعميمها.
ثمة في إسرائيل من يشبه بولتون ويعد نسخة غير مزيدة وغير منقحة عنه ، وثمة في إسرائيل من يفكر بـ"توقيت" الضربة العسكرية لإيران لا في الضربة ذاتها ، وهناك ربما من خطرت بباله فكرة ضرب المفاعل في بوشهر قبل أن "يلقح بالوقود المشع" ، تماماً مثلما حصل في 1981 مع المفاعل تموز في بغداد ، وفي العام الفائت في دير الزور ، هؤلاء قد تداعب مخيلاتهم ، خيالات بولتون المريضة ، وقد ينقلوا أحلامه السوداء إلى حيز التنفيذ ، فنصبح على موعد مع "القيامة الآن".
وطالما أن بولتون يجد صحفا عربيا "صفراء" حتى وإن صدرت بغلاف أخضر ، تحتفي بسمومه المسماة مقالات وآراء ، وطالما أن القبلات الحارة ما زالت تطبع على ما يمكن أن يسمى زوراً وجنتين ، طالما أنه يجد من بين العرب يتبرع لتقليده الأوسمة وتحميله بالهدايا ، فإن من حق الرجل أن يوغل في ساديته ، ولم لا يفعل ذلك وهو الذي "يرى مدنا تتوج فاتحيها" ، ويرى ضحايا يحتفون بجلادهم ، ويرى مُستضعفين ومُستذلين يقيمون الأفراح والليالي الملاح على شرف من يستمرئ ذلهم ويطرب لنحيب نسائهم وأنات أطفالهم.
لن يردع هؤلاء سوى اقتناعهم التام ، بأن سيناريو "اليوم التالي" ، سيكون مجللا بالأدخنة والغبار والأشلاء والأنقاض ، لن يردعهم سوى إحساسهم العميق بأن الصاع سيرد إليهم صاعين أو ثلاثة ، لن يضع حداً لغطرستهم العنصرية ، سوى إحساسهم بأن هناك من هو قادر على قطع اليد التي ستمتد إلى عمق مصالحه وسيادته ومستقبله ، هل يفعلونها ، وهل تفعلها إيران؟. لن نرجم بالغيب.
الدستور