العودة الى الاحتواء المزدوج

لماذا يترافق الانفراج في تشكيل الحكومة العراقية مع امرين اخرين : التطور الطارىء على احتمالات توجيه ضربة عسكرية لايران ، وتصاعد السجال الحاد بين فصائل المقاومة العراقية : البعثيين من جهة والفصائل الاسلامية السبع المجتمعة في مجلس قيادة المقاومة؟
فاذا كان ارتفاع حدة هذا السجال ، حد تبادل البيانات العلنية بين عزة الدوري وجماعته والاخرين ، بصياغة لا تجوز ضمن حركة مقاومة ضد محتل واحد ، هو امر يمكن تفسيره بالصراع المسبق على السلطة مع اقتراب الانسحاب الاميركي . فانه ايضا امر لا يمكن فصله عن نجاحات الاميركي في مسالة الصحوات . وبذلك تتبلور على الساحة اصطفافات سنية - بعثية - شيعية ، لا تخلو من التداخل بعضها ببعض .
غير ان الامر الاكثر الحاحا هو تشكيل الحكومة التي ستؤمن للاميركي امكانية الانسحاب العسكري بهدوء ( نسبي ) ، او على الاقل ، بغطاء سياسي يبدو الانسحاب بدونه مستحيلا ، كما يبدو الفشل ساطعا : فكيف تنسحب قوةعظمى من حرب العصر التي خاضتها بحجة ارساء الديمقراطية ، تاركة البلد بدون حكومة . كما ستؤمن لادارة اوباما استرداد جزء من تكاليف الحرب عبر تنفيذ الاتفاقيات التجارية والاقتصادية بشكل عام .
واذا كانت بوادر الانفراج قد طرات على هذا الصعيد ، خلال الاسبوع الحالي ، فانها قد ترافقت ، من جهة ثانية ببوادر استبعاد الحل العسكري مع طهران رغم كل الضجيج الذي يثار من هنا وهناك .
فهل يكون استبعاد المالكي ، وبوادر الانفراج في تشكيل الحكومة العراقية ، بتسهيلات ايرانية ، ثمنا لاستبعاد ضربة تقع في صميم المصلحة الاسرائيلية ، لكنها لم تعد تشكل مصلحة لواشنطن ؟
في الظاهر تبدو الولايات المتحدة متشددة ، ونسمع جون بولتون ينذر اسرائيل بان امامها ثمانية ايام لضرب مفاعل بوشهر ، وكانه يطلق نفير الحرب ويحث للكيان الصهيوني على الاسراع في شنها . هذا اذا قرانا عبارة"لا اله..."وتوقفنا بعدها . اما اذا اردنا ان نكمل"الا الله" فان المعنى يصبح اخر ، ودلالة القراءة اخرى . فالسفير الاميركي يكمل قائلا بان ضرب المفاعل الايراني يصبح مستحيلا بعد ثمانية ايام ، لانه في هذه الحال سيعرض حياة المدنيين للاذى ويعرض البيئة للتلوث الاشعاعي .
وبالتدقيق يتحول ها الكلام الى انذار لاسرائيل لا لايران ، حيث نقلب الجملة فاذا هي : غير مسموح ضرب ايران بعد ثمانية ايام لان النتائج ستكون غير مقبولة دوليا وانسانيا .
الثمانية ايام ليست مهلة معقولة لاتخاذ قرار الحرب ، الا اذا كان القرار متخذا ، واجراءات التنفيذ متخذة والمهلة هي فقط للتنفيذ . وفي هذه الحال لا تعود التصريحات الصحفية جائزة ، ولا تحديد المواعيد جائزا ، بالمنطق العسكري والسياسي .
هل وصلت الولايات المتحدة الى قرار نهائي باستبعاد خيار الحرب ، وظل عليها ان تفرضه على اسرائيل نتنياهو التي لا تريد شيئا كما تريده ؟ وذلك نتيجة لصفقة ما .
الساحتان المرشحتان للمقايضة الايرانية ، هما لبنان والعراق .
في الاولى لا يبدو ان ايران مستعدة لان تبيع حزب الله وحلفاء المقاومة اللبنانية للولايات المتحدة ، لعدة اسباب استراتيجية لا تقتصر على ايران وحدها.
اما في الثانية ، يصطف الاميركيون في طابور الانسحاب العسكري ، وهو ضرورة لا تستطيع حكومة اوباما التراجع عنها. لكنها ضرورة غير قابلة للتحقيق الا بتحقق ضرورة اخرى ، هي تشكيل حكومة محلية قوية قادرة على ضبط الاوضاع ولو ونسبيا ، وقادرة على التكفل بتنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية . ولذلك ارسلت جيفري فيلتمان الى بغداد ، في الاسبوع الماضي ، في زيارة اعلن عن جانبها الخاص بالاتفاقيات التجارية ، فيما برزت دلالة لا تحتاج الى اعلان ، وهي ان تكليف بطل الازمة اللبنانية 2005 - 2008 ، والمندوب السامي الاميركي في لبنان خلال تلك الفترة ، بالعراق ، يعني قرارا بنقل ساحة تركيز الادارة الاميركية .
اما اسرائيل فقد ارادت التخلص من القوة العربية النظامية التي كانت تشكل لها تهديدا ، وحققت لها ادارة بوش ذلك ، وهي تريد الان التخلص من القوة العربية الوحيدة التي تشكل لها تهديدا غير نظامي ( كوماندوس ) اي حزب الله . لتكتمل بذلك الحلقة ، غير ان ادارة اوباما تبدو غير قادرة على تحقيق ذلك . لان مصلحتها في مكان اخر ، قد يمتد الى صفقة ما مع ايران .
( الدستور )