اغتيال حسن البنا 1949، 2010

تم نشره الإثنين 23rd آب / أغسطس 2010 03:18 صباحاً
اغتيال حسن البنا 1949، 2010
محمد أبو رمان

مهما حاول معدّو مسلسل "الجماعة" إظهار "الحياد الوهمي"، فإنّ النتيجة الحقيقية أنّنا أمام محاولة اغتيال ثانية (في العام 2010) تاريخياً ورمزياً وسياسياً، لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الإمام حسن البنا، بعد اغتياله الحقيقي في العام 1949.

المسلسل يظهر البنا -بصورة معاكسة تماماً لما تثبته الروايات التاريخية وشهادات المقرّبين منه- شخصاً عُصابيا، سطحيا، يستبطن روحاً انتهازية، عصبي المزاج، به خفّة فكرية وسياسية، وفي ذلك تشويه لصورة الرجل ورسالته ودعوته أمام ملايين المشاهدين العرب، الذين لا يعرف أغلبهم شيئاً بالضرورة عن الرجل، سوى ما يشاهده في المسلسل.

تتجاوز خطيئة المسلسل جريمة الاغتيال الرمزي لشخصية البنا إلى التلاعب بالتاريخ وأحداثه، وهو ما يمسّ شخصيات محترمة عديدة أخرى تقدّم في العمل بصورة كاريكاتورية ليس لها علاقة بحقيقة تلك الشخصيات، كما هي الحال مع العلاّمة الشيخ محمد رشيد رضا، وهو الأب الروحي للبنا.

ثمة نزوعان توافقا على الاغتيال الثاني للبنا؛ الأول رؤية يسارية استغرقت النص، وأوّلت الجماعة ودورها وحضورها من هذه الزاوية، وباستحضار الإرث القديم من الصراع الأيديولوجي مع الإسلاميين، ومن سيطرة عقلية المؤامرة على الفكر الماركسي في النظر إلى الجماعة وأغلب الحركات الإسلامية الأخرى.

والنزوع الثاني هو الرسمي المصري، وقد برز بوضوح بعرض المسلسل على القنوات المصرية الرسمية، وتحديداً في مسألة التوقيت، قبيل الانتخابات التشريعية المتوقعة في نهاية العام، وفي ذلك محاولة للتأثير على شعبية الجماعة وحضورها في الشارع المصري وضرب سمعتها السياسية، وهو ما بدا واضحاً في الحوارات التي يجريها النص على هامش عرض سيرة البنا، لكنها تصب في صلب الهدف المطلوب للمسلسل!

بلا شك، فإنّ جماعة الإخوان ليست فوق النقد أو معصومة من الأخطاء، ومن حق المؤرخين وكتاب الروايات والمسلسلات الاجتهاد قدر الإمكان ومنح الخيال مساحةً خصبة من التحليق، والخطأ يصبح حينذاك طبيعياً.

لكن الخطيئة (وليس الخطأ فقط) تكمن في جرّ "منطقة تصفية الحسابات" والمعارك السياسية إلى التاريخ والخروج عن السياقات الموضوعية والمنطقية في نقل المعلومات والوقائع كما هي للمشاهدين، بلا تلوين أو تحريف أو تجهيل، وفي حدود احترام حق الناس في المعرفة الصحيحة، على الأقل لمرحلة تاريخية سابقة، ما دام أنّ احترام هذا الحق في المرحلة الحالية هو ما لا تقدر عليه الحكومات العربية.

الإعلام اليوم بات وسيلةً فاعلة ونافذة في التلاعب بعقول الناس، وهو ما يمنح مسلسلاً مثل هذا خطورة كبيرة تتجاوز (للأسف) أهمية مئات الكتب والدراسات العلمية الموثقة العميقة التي كتبت عن جماعة الإخوان المسلمين والإمام حسن البنا.

بيت القصيد: أننا مهما اختلفنا، فإنّ ذلك ليس مدعاة لأن نغتال بعضنا بعضاً ونتلاعب بالتاريخ ووقائعه تحت ضغط الصراعات السياسية، كما يحدث في العالم العربي. فما نفتقده أنّنا مهما ادّعينا ما زلنا لا نؤمن بالتعددية وباحترام حق الاختلاف، ليس فقط سياسياً، بل حتى ثقافياً واجتماعياً وفنيّاً.


( الغد )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات