بالعَرَق لا بالحًبْر!

تم نشره الإثنين 23rd آب / أغسطس 2010 04:28 صباحاً
بالعَرَق لا بالحًبْر!
خيري منصور

قبل ثلاثين عاما كانت درجة الحرارة عندما تبلغ خمسا وأربعين مئوية يبدو الجحيم كما لو أنه اقترب ، لهذا كتب في تلك الأيام الكاتب العراقي المعروف محمد خضير عملا أدبيا بعنوان الكتابة في خمس وأربعين درجة ، تعبيرا عن وجوده في البصرة قبل أن تتحول الكتابة فيها من الحبر الى العرق.. وأخيرا الى الدم،.

نحن الآن جميعا نكتب في هذه الدرجة الجحيمية حتى لو توفرت أجهزة التكييف فهي ليست موجودة في شوارع مسقوفة ، والانسان لا يستطيع أن يضيف الى المعلبات التي يأكلها هواء معلبا يأكله أيضا.

كما تغير التاريخ ، تغيرت أيضا الجغرافيا ، وها هو التحالف الشيطاني في ذروته بينهما ، ولا أدري لماذا يربط الناس حتى على نحو رمزي بين نظام سياسي جديد أعقب الحرب الباردة ونظام جغرافي قدم أطروحته في الفوضى المدمرة ، ان هذا التحالف ينال الآن من روح الانسان ولحم جسده وأصبح على الفقراء أن يتورطوا بالمزيد من القروض والديون وفنون الربا كي يضيفوا الى الموبايل وفواتيره الباهظة فاتورة الكهرباء عن الهواء المعلب،.

وذات يوم كان الناس يعتقدون ان أقسى منفى هو ذلك المكان الذي تتداخل فيه الفصول ، لهذا نفي الامبراطور الروماني شاعر الحب اوفيد الى هذا المكان ، ونحن نعرف بأن هناك شهورا في العام يختصر اليوم الواحد فيها الفصول الأربعة ، أما الذي قيل عن قوم أصبح صيفهم شتاء وشتاؤهم صيفا فهو لم يعد تعبيرا مجازياً.

لقد فاض الفساد عن مساحة السياسة والاقتصاد والتاريخ ليشمل المناخ ، وها هي الأجراس تقرع تباعا منذرة بحرارة لا يقوى الانسان أو حتى الكهرباء على احتمالها في الأعوام المقبلة ، كما أن هناك فيضانات في الطريق اذا واصل جليد القطب الذوبان سيكون ما حدث في باكستان مجرد عينة منها للعرض فقط،.

وما كان للتاريخ أن يصبح غاشما وذا بعد واحد ويلوى عنقه كي يغير مجراه لولا ان التدجين ومدارسه وفقهاءه حولوا البشر الى دجاج لاحم.

وهذا ما حدث ايضاً للجغرافيا ، فالزفير اللاهب الذي تلفظه عواصم الصناعات لم يثقب الأوزون فقط بل ثقب طبلة الأذن لكل الكائنات ، فلا أحد يسمع وعمّا قريب قد يتحول العمى الموسمي الى وباء،.

ما الذي صنعناه كبشر بأنفسنا أولاً؟ وبالعالم من حولنا ثانيا وبأحفاد أحفادنا ثالثاً ، فمن أقنع ركاب السفينة بأن من حقه أن يثقبها تحت مقعده سوف يدفع الثمن أيضا حتى لو كانت له غريزة ومهارة الفئران في القفر طلباً للنجاة،.

قبل ثلاثين عاماً كان العربي الذي يكتب في درجة تصل الى خمس وأربعين مئوية يختلط حبره بعرق جبينه وما يتصبب من وجهه ، ثم شاء لنا التاريخ الغاشم أن نكتب بالدموع وأخيراً لم نعد نجد غير الدمع ، لأنه يرشح من كل شيء.. من شاشات التلفلزيون والذاكرة وشراشف الأطفال والخشب الذي يرتعش لأنه سوف يتحول الى توابيت وليس الى مهود .

( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات