إحراق المصاحف ثقافة غربية

تقف أكثرية الكنائس الإنجيلية في الولايات المتحدة ضد القس الأرعن تيري جونز، الذي دعا إلى إحراق المصاحف في ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر. وهذه هي المعركة الحقيقية، فأي رد فعل استفزازي من المسلمين سيحقق مبتغى هذا الباحث عن الشهرة والساعي للأضواء. فهو يبتغي أن يكون فيلدر أميركا، وسيحول الضجيج الإعلامي إلى مكاسب سياسية.
لقد أحرقت المصاحف وآلاف الكتب في إسبانيا، ومن يزور المعالم الإسلامية في إقليم الأندلس يشاهد ساحات الحرق قائمة إلى اليوم؛ فالإحراق ثقافة غربية. في المقابل عرف العرب المسلمون بالترجمة والعناية بالكتب، ولم يعرف عنا إحراق الكتب، وخصوصا المقدسة، لا في الماضي ولا في الحاضر.
عندما شن بوش عدوانه في أفغانستان والعراق، استند إلى ثقافة يمينية مسيحية متشددة، واعتبر أن الله طلب منه شن حروبه. وعندما تحدث البابا بلغة غير منصفة عن الإسلام واحترامه للعقل، وقبلها عندما ارتكبت المليشيات المسيحية أبشع المجازر في لبنان، وغير ذلك من أفعال تنسب لمسيحيين، لم يدعُ مسلم، مع وجود مجانين لا يقلون رعونة عن القس الأميركي، إلى إحراق الأناجيل.
من مضارّ الثورة المعلوماتية أنها مكنت كثيرا من المعتوهين والمجانين من استخدام أدوات الإعلام الحديث في نشر ترهاتهم، والرأي العام في أجواء التوتر والاحتقان ليس لديه مناعة ضد الأفكار المتطرفة والسخيفة.
لا تتوقف المسألة في أميركا عند حرق المصاحف أو منع بناء مسجد قرطبة، فالرئيس أوباما نفسه ضحية لموجة الخوف من الإسلام، وفي مقالها في "نيويورك تايمز"، أمس، تتحدث الكاتبة مورين داود عن جنون القطيع، وكيف حول الإعلام اليميني أوباما إلى مسلم، مثل راش ليمبو الذي يسخر من "الإمام أوباما" ويصفه بأنه "أول رئيس أميركي مسلم"، والمبشر فرانكلين الذي يعتقد أن "مشكلة الرئيس أوباما هي أنه ولد مسلما، وكان والده مسلما".
وقد أظهرت استطلاعات للرأي الأسبوع الماضي لمركز أبحاث بيو ارتفاعا غريبا في عدد الاميركيين الذين يعتقدون، على الرغم من كل الأدلة على العكس من ذلك، أن أوباما مسلم. وحتى الذين لا يعتقدون أنه مسلم لا يؤمنون بالضرورة أنه مسيحي. نسبة الأميركيين الذين يعتقدون الآن أن رئيسهم مسلم ارتفعت إلى 18 في المئة. بعد أن كانت 12 في المئة عندما ترشح أوباما للرئاسة، و11 في المائة بعد تنصيبه.
من الطريف أن هذا القس احتاج إلى تسع سنوات ليكتشف أن الإسلام هو الشيطان، ويدعو إلى إحراق المصاحف في ذكرى 11 سبتمبر، ويحسن بالمسلمين ألا يصنعوا منه نجما، وأن يهملوه. (الغد )