كعب وعكاز

أتصور اني سأكون حماة "حميدة" لحد ما ، وأهجس باليوم الذي أصبح فيه جدة ، ولي كًنة ، ويأتي يوم اتخلى فيه عن كعب حذائي ، وأستبدله بعكاز خشبي انيق ، وأهجر فيه العمر ونزقه الى سني الحكمة والصبر ، ولا أنتظر شيئا حينها إلا مرور الأيام ، وحفاف العمر المحاطة باللَمات والجمعات ومناسبات الأحفاد...
منذ سنين لم اسمع تكات الساعة ، فهدير العمر الأخضر والأعباء المتداخلة ، يشوقانني لسماع الصمت ، لكرسي هزاز على نافذة يراقب المارة ، و بطانية خفيفة تلازمني من كنبة لأخرى ، واقراص النوم رفيقة محفظتي ، وصور وذكريات أقض رفوفها كلما أشتقت للشباب الذي سيكون حينها ولى لغير رجعة..
احتار وأنا أفكر أن هناك سنينا قادمة لو كتب الله تعالى لنا فيها العمر ، هل سأتراجع فيها عن امور فعلتها واشياء كتبتها ، وأني اعرف اني مبتلاة منذ "الطفوشة" بعنادة رأس كالجميد المعتق ، وبروح مغامرة وانتحارية القول ، ولي لسان لم اتبرأ منه يوما حتى وأن ساقني للتهلكة ، و لدي ثقب في خزان الصبر ، وكساح في أطراف المجاملة واللحلحة ، و فتاق في الدبلوماسية ..
عانيت من هذا السلس "القولي" ، وقلت رأيي الذي ربما كان يؤلم بحقيقته بعض الناس ، لكن أعترف انه كان سيؤلمني اكثر ان بقيت متدثرة بالصمت ومتلحفة بالنفاق ، لم أفلح يوما ككاتبة سُلطة ، ولم افلح أيضا حتى في تنسيق صحن سلطة ، لكنني اليوم مطمئنة أكثر من اي وقت مضى ..
أشعر أن المرأة تبدا بالشيخوخة حين تتخلى عن كعب حذائها ، وتستبدله ب"الزحاف" ، وتستبدل واقي الشمس بكريم المفاصل ، وترطب قدميها بالفازلين بدل شفتيها..
أسرح بخيالي وأشاهد اسمي من بين الوفيات ، وأقلب صفحات الجريدة أثيريا وتأبين متواضع منثور هنا وهناك عن موتي ، وخبر صغير في الصفحات الثقافية وأبتسم ساخرة لو كان الخبر كهذا : "الفقيدة خسارة للثقافة" مثلا ، وأنا ادري ان لم أكن خسارة إلا في حياتي ، وأعفيهم من أي حميات ثقافية وعبارات كبيرة ، فأحيانا الحياة خسارة أكثر من الممات..
لا استطيع ان أكمل ..فالدمع يمنعني من رؤية الحروف
( الدستور )