كل "تيمس" وأنتم بخير

تم نشره الأربعاء 07 كانون الأوّل / ديسمبر 2016 01:51 صباحاً
كل "تيمس" وأنتم بخير
مروان المعشر

بينما نحن منهمكون بالاقتتال فيما بيننا حول تحجب المرأة من عدمه في الكتب المدرسية، وكذلك عدد الآيات القرآنية الموجودة فيها، تخرج علينا نتائج امتحان "تيمس" (TIMMS) العالمي، والذي يجرى كل أربع سنوات، لنكتشف بعضا من حجم التدهور الذي أصاب التعليم في مادتين فقط، هما العلوم والرياضيات. 
وحتى نعرف حجم المشكلة، لنتذكر أن التركيز تم على هاتين المادتين باعتبار أنهما ستؤسسان لجيل يستطيع التعامل مع متطلبات التكنولوجيا الحديثة. وللتذكير أيضا، فقد تم صرف أكثر من مليار دولار على برنامج واحد في وزارة التربية والتعليم يهدف إلى إدخال الحواسيب إلى المدارس، وربط الطلبة تكنولوجياً بالعالم. فماذا كانت النتيجة؟ انخفض معدل التحصيل العلمي إلى ما دون مستواه العام 1999. أي إن سبعة عشر عاما من الجهد والمال لم تنجح في إبقاء المعدل عند مستوياته السابقة. وإن لم يكن هذا أحد تعريفات الفضيحة، فلا أدري ماذا يكون!
بالطبع، فإن إصلاح التعليم أكبر بكثير من العلوم والرياضيات. لكن إن كانت هذه هي النتيجة بعد الإنفاق الهائل والتركيز على هاتين المادتين، فلنا أن نتخيل التدهور في المجالات التي لم يتم التركيز عليها، وأهمها الإنسانيات والفنون التي تهذب الروح وتوقد شعلة الإبداع والتفكير النقدي لدى الطلبة. فهذه المواد إما تم حذفها، أو هي تُدرّس بأسلوب تلقيني يطفئ هذه الشعلة لدى الطلبة.
امتحان "تيمس" ليس الامتحان العالمي الوحيد الذي يتم بموجبه قياس قدرات الطلبة. فالمنظمة الدولية التي تقوم بذلك "المنظمة الدولية لتقييم التحصيل العلمي" (IEA)، تجري امتحانا آخر أيضاً لتقييم التحصيل في مفاهيم المواطنة والتربية الوطنية وحقوق الإنسان، وفق معايير عالمية. وللأسف، ليس هناك دولة عربية واحدة تقبل إجراء هذا الامتحان في مدارسها، لأنه سيفضح الفارق بين تغنيها اللفظي بهذه المفاهيم وبين غرسها في وجدان الطلبة بالشكل الصحيح، مقارنة مع دول العالم.
الأرقام والحقائق في بلادي لا تعني دائما الكثير للأسف. على الأغلب، لن تعترف الحكومة ووزارة التربية والتعليم، بحجم المشكلة؛ ولن يتوقف دعاة إبقاء المناهج كما هي عن التهديد والوعيد؛ ولن ينظر أصحاب القرار في المشكلة الحقيقية التي نعاني منها في نظامنا التربوي، وهي التعليم التلقيني وعدم إتاحة الفرصة للطلبة لأن يتعلموا حل المشاكل بعقولهم وليس بالحفظ الأعمى للأجوبة؛ ولن يصرف الجهد لخلق مناخ مدرسي صحي يمارس فيه الطلبة مفاهيم المواطنة والتعددية وتحمل المسؤولية؛ ولن تخصص الأموال لإعادة تأهيل المعلمين تأهيلا جديا، حتى يشعر الطالب أنه شريك في العملية التعليمية وليس متلقيا صامتا.
لن يتم أي من هذا على الأغلب. ففي حين تعتبر هذه الأرقام في بلاد أخرى ناقوس خطر حقيقي، ومدعاة لمراجعة شاملة للأنظمة التربوية، فإننا سنكتفي بأسبوع أو أسبوعين من المقالات والخطب، ثم نعاود ممارسة فقدان الذاكرة الجماعي؛ فنتجاهل هذه الحقائق لأننا منهمكون بما نعتقد أنه أهم من ذلك: الصوت العالي، وحرق الكتب، والخطب الرنانة حول ضرورة التراجع عن التعديلات التي تمت، وهي تعديلات لا ترقى حتى لمستوى إدراك المشكلة. 
حرام أن نختزل النقاش حول تعديل نظمنا التربوية بعدد الآيات القرآنية الموجودة في المناهج وحجاب المرأة، بدلا من الاهتمام بتطوير فلسفة تربوية متكاملة تترجم إلى نظم ومناهج ومناخات تخلق الأرضيّة المطلوبة للإبداع والتجديد والمنافسة في أسواق العمل.
أخشى أننا أصبحنا أسرى لثقافة تعظّم الأصوات العالية، وتقزّم العمل العلمي المنهجي الذي يخرّج مواطنين ومواطنات منتجين، لا رعايا متلقين لما نريد حشوه في أدمغتهم، لنتركهم بعد ذلك لرحمة عالَم لا مكان فيه لمن لا يمتلك القدرات الفكرية والمفاهيم الحداثية. ومن منا اليوم يذكر لجنة تطوير الموارد البشرية أو ماذا حل بتوصياتها؟

(الغد2016-12-07)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات