بين "باب الحارة "و "أم كلثوم "ضاعت أمانينا!

أرجو وقبل أن يُشهر أحدكم سلاحه بوجهي أن يتيقن بأنني لست المقصود بالرماية,وبأنني سأكون ضحية فورة غضب,فما أنا سوى أحد الديكة التائهة منذ زمن غير هذا الزمن,لذا فإن صياحي سيُعتبر في نظر البعض جرماً أُعاقب عليه!,فليكن,لكنني كديك أدمنت حنجرته,ولسانه,ومنقاره إطلاق صيحات ما قبل الفجر بقليل,وما بعد بزوغ الشمس فإنه لا بد لي وأن أصيح.
سيداتي..سادتي
إن قبل ما يزيد عن نصف قرن,ضحكت منا,وأضحكت العالم علينا سيدة الشرق,وكوكبه "أم كلثوم "حين راحت تدغدغ الأرواح العطشى,والقلوب المنكسرة,والأماني المهزومة بكثير من الشجى والأسى المصطنع,فغنّت عن الأفئدة المُرهفة,وداعبت عذاب العاشقين,ومُغرمي الهيام,وشكت من خيانة,وإذلال الحبيب لحبيبه,فبتنا سكارى,حيارى أمام حيلة الكلمات في زمن ربما كان فيه الحديث عن أسرار,واشتعال قلوب المحبين محرّماً.
ضعنا!,وضيعتنا "أم كلثوم ",وأصبحت هي التي تقود أمة كاملة من التائهين العرب!,لكنها ورأفة بدموع خيبتنا أطلقت بياناً زائفاً كان عنوانه "أصبح عندي الآن بندقية "في الوقت الذي سلّمنا فيه البنادق,والفشك,والأمنيات,والأهداف واستبدلناها بأقداح الشاي الأسود الثقيل,وبسحابات دخان السجائر,والسهد,والسهر ثم أخذنا غفوة طويلة من النوم العميق لنصحو وإذا الزمن غير الزمن,وإذا بالمعارك قد أُسدل ستارها,فاسترحنا غير مأسوف على رجولتنا,وأحلام يقظتنا!.
واليوم يكتشف بعض أذكياء تجار الدراما بأننا ما زلنا نُدمن الخيال وبأننا نُطارد زمناً ضاع دون أن نمسك بأطرافه ففتحوا لنا "باب الحارة "كي نعبر من خلاله إلى حارة كنا نطمحُ لها,ونتعلّق بها,ونهفو إليها لكنها في واقع الأمر لم تعُد موجودة!.
وعلى ما يبدو فإن "باب الحارة "حلقات وهم وخيال طويلة,طويلة ستمتد إلى ما بعد عشرات السنين إن بقي في عمر شاشات التلفاز بقية,وإن بقي الإدمان على حاله,وإن بقي الخمول يراوح العقول دون صحوة بات ميؤوساً منها!.
تُرى ما الذي يأتي به هذا المسلسل من جديد؟,فالحكاية ذات الحكاية,والجواسيس ذات الجواسيس,والحلاق ذات الحلاق,والعقيد الجديد يرثُ لقب خاله العقيد,وصاحب مقهى هو من يمنحه اللقب,وإبريق شاي حارس "باب الحارة "هو ذات الإبريق!لا شيئ تغير,أو تتدرون لماذا؟,لأننا
نحن لم ولن نتغير ولأن الحقيقة لم تعد هاجسنا لأننا نخشاها,وتُرعبنا لهذا بتنا كمن أصابه الكُساح يجلس منتظرا على "باب الحارة "وهماً لن يتحول إلى حقيقة,وسراباً لن يُطفئ عطشاً!.
www.saheelnews.com
الزميل جهاد جبارة