كيف هدمت الخلافة (1-2)

نعود الى هذا الكتاب في ضوء التطورات الاخيرة في تركيا وما يعتقدها البعض من انها عودة ناعمة لشكل من اشكال العثمنة. اما الكتاب فمؤلفه عبد القديم زلوم وصدرت عدة طبعات في بيروت اولها في منتصف الستينيات وآخرها عام 1997 . ولنا ان نقول ان زلوم احد اركان نظرية الصراع البريطاني- الامريكي اوحى لنا بصراع ثنائي مبكر آخر بين بريطانيا وفرنسا في القرن التاسع عشر والعقود الاولى من القرن العشرين, من خلال بحثه عن الجذور الخارجية لهدم الخلافة "العثمانية" وكانت بريطانيا وفرنسا حاضرتين في هذه الجذور من خلال اختراع وتوظيف قوى متناقضة, فمن الوهابية الاسلامية المتشددة الى جماعات التبشير المسيحية الى ضباط الاتحاد والترقي الماسوني التركي خاصة جمال باشا رغم ميله الى مشروع عثماني بقيادة الاتراك, ومصطفى كمال الذي وضع القومية التركية في مواجهة عثمانية الامم السابقة ..
اولا: الحركة الوهابية وقد سبق لمفكرين عربيين هما سمير أمين ومحمد الجابري ان وجدا فيها شيئا من اللوثرية التي ساهمت في الثورة البرجوازية الاوروبية ...
وفي الرد على هذه المحاولة , دعمت فرنسا محمد علي بموافقة عثمانية لتحطيم الوهابية حيث تمكنت جيوش محمد علي من حصار الدرعية وتخريبها 1818 .
ثانيا: الجماعات التبشيرية المسيحية التي بدأت مع حملة ابراهيم باشا "ابن محمد علي" على الشام وتوسعت بعد اجباره على الانسحاب الى مصر 1840 حيث نظمت الدول الاستعمارية مناخات فتنة مذهبية 1860 لتبرير تدخلها وارسال بوارجها الحربية وبعثاتها التبشيرية من مالطا الى بيروت "الجامعة الامريكية" والكلية اليسوعية الفرنسية.
ثالثا: الدسترة كمدخل لتفكيك العثمنة: فدراسة زلوم تعتبر ان ادخال الاحكام الدستورية الاوروبية كان المحطة التالية لهدم الخلافة, و مرت هذه المحاولات بالمراحل التالية التي استمر الصراع فيها بين السلاطين وجماعات الدسترة الاوروبية:-
-1- اعلان خط كلخانه 1839 وخط همايون 1855 وأعطيا صلاحيات "مذهبية" لغير المسلمين وسمحا للاجانب بامتلاك الاراضي.
وقاد هذه المحاولة رشيد باشا وزير الخارجية العثماني آنذاك, لكن هذه المحاولة لم تستمر.
-2- محاولات مدحت باشا الذي عاصر ثلاثة سلاطين: عبدالعزيز الذي رفض اقتراحات مدحت باشا وكان وزيرا للعدل وكان يدعو لتوسيع صلاحيات الحكومة وربط الانفاق بقوانين ... وبسبب رفض هذه الاقتراحات وبدعم بريطاني واوروبي, قام مدحت باشا مع شيخ الاسلام وناظر الحربية بخلع السلطان وتعيين مراد الخامس مكانه وكان "متهما" بالجنون فتم عزله عام 1876 واستبداله بشقيقه عبدالحميد الذي وافق على تعيين مدحت باشا صدرا اعظم "رئيسا للحكومة" الذي سارع الى فرض دستور جديد باسم "قانون اساس" وكان مستوحى من الدستور البلجيكي, حيث استبدلت فقرة "الاسلام دستور الدولة" بالاسلام دين الدولة كما نص على تشكيل مجلسين هما مجلس النواب او المبعوثان ومجلس الاعيان "الشيوخ" وكان المجلس المشترك "الامة" يفتتح بخطاب العرش ويأخذ القرارات مجتمعا "المجلسان" كما تم إقرار اللامركزية الادارية ...
ومثل المحاولات السابقة رفض السلطان ذلك وانقلب على حكومة مدحت باشا 1877 مما أثار غضب بريطانيا والدول الاوروبية, فتنادت الى عقد مؤتمر في برلين عام 1878 ، شهد صراعا عنيفا بين رئيس الحكومة البريطانية اليهودي دزرائيلي وبين بسمارك مستشار المانيا الذي ناصر السلطان وظل الاخير يقاوم الدسترة المذكورة حتى عام 1908 الذي أطلق العد العكسي لنهاية الخلافة خاصة بعد فشل السلطان عبد الحميد بالهجوم العسكري المضاد على خصومه واضطراره للتخلي عن الحكم لشقيقه محمد رشاد.
العرب اليوم